شهادة الشيخ محمد الغزالي أمام محكمة أمن الدولة في مقتل الدكتور فرج فودة سنة 1992:

المصدر: من كتاب محاكمة المرتدين لأحمد السيوفي، وكتاب زهرة البساتين من مواقف العلماء الربانيين للدكتور سيد حسين العفاني

المحكمة استدعت الشاهد فسألته بالآتي:
س: ما اسمك؟
ج: اسمي محمد الغزالي أحمد السقا، وسني (76) سنة، وأعمل عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ومقيم بالدقي (10) ش قمبيز بميدان الدكتور سليمان.
حلف اليمين
س: ما معلوماتك؟
ج: أنا مستدعى من قبل الدفاع بناءً على طلب المحكمة استجابة لطلب الدفاع.
س: من الدفاع: هل الإسلام دين ودولة؟ وما معنى هذه المقولة؟
ج: الإسلام عقيدة وشريعة، وعبادات ومعاملات، وإيمان ونظام ودين ودولة … ومعنى هذه المقولة ذكرته الآية الشريفة: {وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ} [النحل: 89]، كما قال الله تعالى: {أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗا} [الأنعام: 114]، فالإسلام دين شامل منذ بدأ من خمسة عشر قرنًا، وهو دين ودولة لم تنفصل فيه السلطة الزمنية عن المعاني الروحية، وقد جاءت النصوص متشابهة في إيجابها لشتى الأركان، فمثلًا: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ} [البقرة: 183]، {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ} [البقرة: 178]، و{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡ} [البقرة: 216]. وجاءت هذه الأقوال في عبادة جنائية كالقصاص، وفي عبادة شخصية كالصيام، وفي عبادة دولية كالقتال. فالعبارة واحدة وإن اختلفت اتجاهات التشريع. ومعروف أن أطول آية في القرآن هي التي نزلت في الدَّين وهي عبادة اقتصادية، والتي تبدأ آياتها: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُ} إلخ الآية [البقرة: 282]. وبالإحصاء والاستقرار نجد أن الإسلام دين للفرد والمجتمع والدولة، وأنه لم يترك شيئًا إلا وتحدث فيه، ما دام هذا الشيء يتصل بنظام الحياة وشئون الناس.
س: من الدفاع: هل تطبيق الشريعة الإسلامية فريضة واجبة؟
ج: أدع الإجابة عن هذا السؤال للقرآن نفسه، فالله يقول لنبيه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} [النساء: 65]، وقوله في آية أخرى: {أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
س: من الدفاع: ما حكم من يجاهر برفض تطبيق الشريعة الإسلامية جحودًا أو استهزاءً؟
ج: الشريعة الإسلامية كانت تحكم العالم العربي والإسلامي كله حتى دخل الاستعمار العالمي الصليبي – وكرهه للإسلام واضح – فألغى أحكام الشريعة الإسلامية، وأنواع القصاص، وأنواع التعزير، وأنواع الحدود، وحكم الناس بالهوى فيما يشاءون. وقد صحب الاستعمار العسكري استعمار ثقافي مهمته هي جعل الناس يطمئنون إلى ضياع شريعتهم وإلى تعطيل أحكام الله دون أن يتبرموا، وأنا كأي مسلم أقرأ قوله تعالى: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖ} إلخ [النور: 2] أجد الآية مقلوبة في المجتمع، وأجد القانون يقول: إذا اتفق شخصان بإرادة حرة على مواقعة هذه الجريمة فلا جريمة، وقد تسمى حبًّا، وتسمى عشقًا. ولكن نص الشريعة عُطل وروح الشريعة أزهقت … فكيف يقبل مسلم هذا الكلام أو يستريح لهذا الوضع، وبالتالي كيف يسخرون مني إذا قلت يجب إقامة الشريعة؟ وأعرف أناسًا كثيرين يرون تعطيل الشريعة، ويجادلون في صلاحيتها، ويثبتون حكم الإعدام الذي أصدرته الحكومات الأجنبية أو الاستعمار العالمي على هذه الشريعة التي شرفنا الله بها. إنهم يعدمونها إعدامًا ويريدون تثبيت هذا الإعدام، ويجادلوننا باستهزاء أحيانًا في صلاحية الشريعة للتنفيذ. هذا كما قلت وكما قال الله تعالى، وليس بمؤمن يقينًا من يجاهر برفض تطبيق الشريعة الإسلامية جحدًا أو استهزاءً، بل كما قال الله تعالى في وصف هؤلاء الناس في قوله تعالى: {وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} [المائدة: 44]، {فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} [المائدة: 47]. ويعرف الإنسان أنه منافق من رفض حكم الله. وقد قال تعالى: {وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [النور: 47]، {وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ 48 وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ 49 أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ} إلى آخر الآيات في نفس الموضوع [النور: 48 – 50].
س: من الدفاع: ما حكم من يدعو إلى أن يستبدل بحكم الله شريعة وضعية تحل الحرام وتحرم الحلال؟
ج: ليس هذا بمسلم يقينًا: يقول الله تعالى في هؤلاء: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا} [النساء: 60].
س: هل يُعَدّ هذا العمل عملًا كفريًّا يُخرج صاحبه من الملة؟
ج: نعم، فمن رفض الحكم بما أنزل الله جحدًا واستهزاءً هو بلا شك يخرج من الملة.
س: من الدفاع: فما حكم المسلم الذي يأتي هذا الفعل الكفري أو القول الكفري عن تعمد وعلم بمعانيه ومراميه؟
ج: مهمتي الشخصية هي أن أشرح له كعالِم وأدحض شبهاته وأبيّن له الحقيقة. وليست مهمتي كداعية إلى الله أن أتلمس العيوب للناس، ولست أفرح بإيقاع أقدامهم في الحبائل والشباك … وإنما أنا طبيب أعالج المرضى، وأريد أن أنقذهم من الجراثيم التي تفتك بهم. فإذا كان عنيدًا يرفض كل ما أقول، ويأبى إلا تكذيب الله ورسوله، فلا أستطيع أن أقول إنه مؤمن.
س: من الدفاع: هل يصح لإنسان نطق بالشهادتين الادعاء بالإسلام مع المجاهرة ورفض تطبيق الشريعة الإسلامية، والدعوى إلى أن يستبدل بشرع الله شرائع الطواغيت من البشر؟
ج: أولًا يقول الله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} [البقرة: 8]، بل إن بعض الناس كان يحلف أنه مؤمن ولكن ميله للكفار وجبنه عن مقاتلتهم والدفاع عن الإسلام نفى الدين عنه، قال تعالى: {وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٞ يَفۡرَقُونَ 56 لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجًَٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} [التوبة: 56، 57]. ومعنى الآية أن قولهم مؤمنون مع تكذيب أعمالهم لهم لا يقبل، والإيمان باتفاق العلماء قول وعقيدة وعمل. ثم ألفت النظر إلى أن ديننا اسمه الإسلام … أي الخضوع لله، ومعنى ذلك أن إبليس كان يعلم أن الله حق ويجادله … فرفض الأمر والنهي يخرج الإنسان عن الملة.
س: من الدفاع: هل يُعَدّ من يأتي هذه الأفعال الكفرية، والأقوال الكفرية مبدلًا لدينه مفارقًا للجماعة؟
ج: نعم، يُعَدّ مرتدًّا عن الإسلام.
س: من الدفاع: ما حكم هذا المرتد شرعًا؟
ج: حكم المرتد في الشريعة واضح، وأنا لي رأي خاص. فالرأي العام في الإسلام أنه مخطئ، وأن الارتداد قد تكون له أسباب، فيمكن أن يكون لإنسان شُبهة ولا يحسن فهم الدليل … فأنا مهمتي كشف الشبهة وبيان الدليل. وقد يرى الحاكم بدل أن يقتل أن يسجن سجنًا مؤبدًا لأمر ما. وعندما كان الجدال بين النبي وزعماء مكة في صلح الحديبية فقد عرض أمر على الرسول. وقد انتهى الرسول إلى أن من ترك المدينة وجاء لمكة لا يمنعه الرسول، ومن ترك مكة وذهب إلى المدينة يمنعه الرسول، وقد سأل الصحابة الرسول في ذلك فقال لهم: «شر وأريد أن أبعده عنكم». ورأيي الخاص لو أن واحدًا من الناس ارتد لا أتعقبه، ولكن بقاءه في المجتمع جرثومة ينفث سمومه ويحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله.
س: من الدفاع: قررتم فضيلتكم أنه قد يكون صاحب القولة الكفرية لديه شبهة أو لم تبلغه الحجة، فماذا إذا بلغته الحجة؟
ج: هذا ككفر الفراعنة … جحدوا وجود الله وعصوا موسى، وهذا يكون ارتدادًا صريحًا حاسمًا.
س: من الدفاع: من الذي يملك إيقاع الحد على المرتد المستوجب قتله؟
ج: المفروض أن جهاز القضاء هو الذي يقوم بهذه المهمة، فهو الذي يقيم الحدود ويقيم التعازير ويحكم بالقصاص، ولا يكون ذلك لآحاد الناس حتى لا تكون فوضى.
س: من الدفاع: فماذا لو كان القاضي لا يعاقب على الردة والقضاء لا يوقع الحدود؟
ج: هذا عيب القضاء، وعيب المسئولين عنه، والقانون معيب.
س: من الدفاع: ماذا لو أن القانون المطبق لا يعاقب … هل يبقى الحد على أصله من وجوب الإيقاع؟
ج: حكم الله لا يلغيه أحد … والحد واجب الإيقاع.
س: من الدفاع: ماذا لو أوقعه فرد من آحاد الأمة، هل يُعَدّ مرتكبًا جريمة أو مفتئتًا على السلطة؟
ج: يُعَدّ مفتئتًا على السلطة، وأدى ما يجب أن تقوم به السلطة.
س: من الدفاع: هل هذا المفتئت على السلطة بفرض أن السلطة توقع حدًّا، هل له عقوبة في الإسلام؟
ج: أنا لا أذكر أن له عقوبة في الإسلام.
س: من المحكمة: هل لديك أقوال أخرى؟
ج: لا.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.