التدين والتعرف على الدين

بقلم الأستاذ سفيان ابو زيد

كلا المصدرين على نفس الوزن الصرفي إلا أن الفرق بين تفَعُّلهما شاسع، ويظن الكثير منا أن التدين والتعرف معناهما واحد، وهما شيء واحد…
التعرف على الدين هو أول أبواب التدين وهو تلك المعلومات التي يستقيها التائب الآيب إلى ربه من دروس او مواعظ أو نصائح وجهت له من قريب أو صديق قد سبقه بالتوبة، فيبدأ شيئا فشيئا يطبق ما أمر به وما نهي عنه تقليدا للسابقين، وغالبا ما تكون تلك النصائح والمواعظ خاصة بالجانب العملي، بل والشكلي، من هندام أو صفة صلاة أو انتهاء عن تدخين أو سكر أو انتهاء عن أكل حرام…وذلك دون تأطير أو توازن أو تقديم وتأخير…
يستمر هذا الامر حتى يظن المتعرف بعد فترة أنه صار متدينا وبعد قراءة لبعض الكتب يصبح ناصحا وبعد حضور دروس أو سماع محاضرات يصير واعظا مربيا…
وهذه الحال هي حال غالب من من الله عليه بالاستقامة بادئ الأمر ومنهم كاتب هذه الكلمات…
أما التدين فهو شجري من جهة، تفصيلي من جهة أخرى.
من جهة شجريته كما قال تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي اكلها كل حين بإذن ربها)
فيبدأ بذرةً وهي تلك الفطرة التي أودع الله في الانسان، تلك البذرة تسقى بماء الوحي الذي يغذي نور العقل، فتنطلق جذورها شيئا فشيئا في أعماق الروح والنفس مجاهدة مقاومة لكل عقبات من أمراض للقلب من حقد وغل ورياء ونفاق فتحليها بنواقضها من حب وعفو وإخلاص وصدق وكلما تعمقت إلا وأنقت وطهرت، وعند مرحلة من المراحل لما يبدأ ظهور أوائل جذع التدين، ومع استمرار السقي وتعمق الجذور يشتد عود ذلك الجذع فتنبثق منه الأغصان التي تمثل أركان ذلك التدين في جانبه العلمي المتمثل في معاني الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وجانبه العملي من صلاة وصيام وزكاة وحج وجانبه الاجتماعي من صلة وبر وسلام وإصلاح، فتخضر تلك الاغصان وتورق علامة على حيوية الروح وتألقها، فتزدهر تلك الاغصان مؤذنة بإيتاء الأكل، وبعد استمرار السقي والتسميد بقانون وتوازن وحكمة طيلة تلك المراحل من المزارع العالم المربي، تؤتي تلك الشجرة الراسخة بجذور إيمانها وأخلاقها الشامخة بجذع وأغصان أعمالها وتصرفاتها، توتي أكلها بإذن ربها…
بعد هذه المراحل الطويلة والجاهدة يدخل صاحب البستان، فيحمد الله على ذلك العطاء الوفير الذي قد بذل من أجله الأسباب الممكنة، إلا أنه يلاحظ تفاوتا واختلافا بين تلك الاشجار من حيث الصغر والكبر وجودة الثمار والإصابة ببعض الأمراض، فيسعى إلى التعرف على اسباب ذلك والبحث عن مكافحاته وعلاجاته، هنا تظهر لنا نسبية التدين، وحاجته المتواصلة الى التسميد والتهذيب والتقليم، وأنه قد أكون في جانب متدينا أفيد غيري منه وفي آخر متعرفا على الدين أستفيد فيه من غيري وإن كان أدنى مني أو ليس في دائرة المتدينين المتعارف عليها واقعا، وهكذا يستمر المسلم فردا وأمة في التعاون على البر والتقوى، كل يعترف بجميل الآخر عليه، والجميع يعترف بكل الجميل إلى جهة واحدة وهي رحمة الله وكرمه وجوده على البشر الواصل إلينا عن طريق أنبيائه ورسله وفي مقدمتهم إمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم…
لذلك ينبغي على كل منا أن يدرك الجانب الذي هو فيه متدين فيزيده تدينا، والجانب الذي هو فيه متعرف فينتقل فيه إلى مرحلة التدين قال تعالى ( واعبد ربك حتى ياتيك اليقين)
والله أعلم…

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.