ديختر.. بعد 19 عاماً: عملنا في “الشاباك” يفترض وجود سلاح يخبئه الفلسطينيون في الحرم القدسي

“لن يتخلى الفلسطينيون أبداً عن موضوع الحرم، فهذه وسيلتهم ووسيلة جهات في العالم العربي والإسلامي لمناكفة إسرائيل”، هكذا يقول رئيس لجنة الخارجية والأمن ورئيس الشاباك الأسبق النائب آفي ديختر، في مقابلة خاصة مع “إسرائيل اليوم”.
كان ديختر رئيس الشاباك عندما نشبت انتفاضة الأقصى التي بدأت مع حجيج ارئيل شارون إلى الحرم. في الأسبوع الماضي زرنا الحرم، في محاولة لفهم إذا ما كان تغير شيء ما منذئذ في المكان الذي يعتبر الأكثر تفجراً في العالم. “أتعرف ما الأمر الأكثر إحباطاً في مسابقة ملكة جمال العالم؟”، سأل عند خروجنا. أن تكون في المرتبة الثانية. الحرم هو المكان الثاني، بعد مكة والمدينة. بالنسبة لهم، احتلال إسرائيل للحرم يعد رافعة استثنائية، ولكن هدفهم الحقيقي ليس هنا – بل في النزاع. والحرم ليس سوى وسيلة”.
الحرم مليء بالزوار في هذه الفترة من السنة. نحو 7 آلاف سائح يصلون إليه في المتوسط اليومي، ونحو 150 يهودياً أيضاً. ومنذ ساعات الصباح المبكرة يبدأ الحجيج إلى الحرم: يهود وسياح عبر جسر المغاربة، ومصلون عرب عبر واحد من المداخل الثمانية الأخرى للحرم.
في الماضي كان يجبى 10 دولارات من كل زائر إلى الحرم. وكان هذا مصدر دخل لا بأس به، اقتطع بقرار إسرائيلي منذ عام 2000، لأنه كان يرمز إلى أن السيادة في المكان لا تعود إلى إسرائيل بل لمن يجبي المال. ولاحقاً حظر بيع الهدايا التذكارية أو الطعام في الحرم.
الحرم محروس جيداً. في كل واحد من المداخل يقف رجال شرطة وحرس حدود، يفحصون الزوار يدوياً بعيداً عن الوسائل التكنولوجية، يفتشون الحقائب، وإذا اقتضت حاجة يفتشون الجسد أيضاً. والخوف الأساس هو أن يدخل أحد ما، سواء كان مسلماً أم يهودياً، السلاح إلى الحرم.
القلق موجود من الطرفين؛ من يهود متطرفين يحاولون تنفيذ عملية، أو من مسلمين يدخلون سلاحًا بارداً أم ساخناً إلى هنا للقيام بعملية فورية أو لأغراض مستقبلية. قادة الشرطة هنا يقولون إنه لا توجد أسلحة في الحرم ولكن ديختر أكثر حذراً، فيقول: “أقول لك إن فرضية عملنا تضي بوجود سلاح في الحرم. على الشرطة أن تتوقع وجود سلاح ناري”.

إذا كان… فلأي غرض؟
“إذا كان هناك سلاح، فهذا في نظرهم للتصدي لمحاولات فرض شيء ما عليهم لا يرغبون فيه. إذا تقرر غداً مثلاً دخول الشرطة إلى المسجد الأقصى عند احتدام الأوضاع، فسيعرفون عندها أنهم لن يقفوا أمام أياد فارغة”.
أزمة البوابات الإلكترونية التي قتل فيها شرطيان في تموز 2017 بنار ثلاثة عرب إسرائيليين، منعت تركيب وسائل فحص متطورة كانت ستصعّب إدخال السلاح إلى الحرم. ديختر يؤيد نصب البوابات الإلكترونية: “أعرف في نهاية الأمر أن سيكون هناك فحص أثناء الدخول إلى الحرم. لا أدري كيف ولكنه سيكون، لأن الكل يفهم حساسية ما سيحصل إذا ما وقعت هنا عملية لا سمح الله.
“عندها سنسأل أنفسنا كيف سمحنا لدخول السلاح إلى الحرم، وعلينا أن نتذكر بأن كمية من يدخلون إلى هنا في لحظات الذروة تصل إلى مئات الآلاف في اليوم، ومن الصعب جداً فحص الجميع. ولهذا، أعتقد بأن فرضية العمل يجب أن تبنى على وجود سلاح في مخابى الحرم، ومن لا تكون فرضية عمله هكذا يفوت برأيي عنصراً مهماً في وظيفته”.

صوص أصبح نسراً مفترساً
رغم كميات السياح والزوار، فإن الحرم نظيف جداً. كل شيء مرتب، هادئ، بعيد سنوات ضوء عن العنف الذي يصعد إلى عناوين الأخبار صبح مساء. الشرطة هنا جاهزة والقادة يجربون، معظمهم منذ سنوات عديدة في مناصبهم، وقد اجتازوا غير قليل من المواجهات حول الحرم.
يرافق ديختر في زيارته قادة المنطقة. اللواء حاييم شموئيلي، والمقدم يوفال روبين، والرائد دانييل مزراحي، من المسؤولين عن منطقة الحرم. وتمثل محطة الشرطة في الحرم رمز السيادة الإسرائيلية الوحيد، ولهذا فهي تتعرض للاعتداء على نحو دائم في أحداث العنف. وفي محاولة لتثبيت الأوضاع في المنطقة، أقامت الأوقاف مكاتبها في جانب ما، ومكتب حراسها في جانب آخر.
ينتشر بضع عشرات من رجال الأوقاف في كل أرجاء الحرم، ويرافقون ما يجري في المكان من بعيد. وبواسطة أجهزة الاتصال يبلغون عما يحدث، ولكنهم يمتنعون عن الاشتباك. مثل حراس المتحف تقريباً ممن يتابعون الزوار ولا يتدخلون إلا عند الحاجة. أما ديختر فيتابعونه باهتمام خاص: فهو شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى، سياسية، مع ماض أمني بارز. وهذه زيارة استثنائية. وسبقت الزيارة مشاورات طويلة مع محافل الأمن خوفاً من الاضطرابات في الفترة الحرجة. في البداية ألمحوا إليه بأنه من الأفضل أن يتخلى عن الزيارة، ولكنهم أقروها في نهاية الأمر.
ألا تفقد إسرائيل سيادتها بالطريقة التي تعالج فيها الأحداث داخل الحرم؟
“بالشكل الذي تعالج فيه الأحداث لن تضيف ولن تنقص من السيادة. ولا يمكنك أن تنفذ السيادة في الحرم؛ لأن الوضع الراهن يقضي ألا تكون هناك أعلام أو غيرها من الرموز. ولهذا، لا توجد هنا رموز سيادة باستثناء محطة الشرطة”.
ويعتقد ديختر بأن الأوقاف تتبع هنا سياسة التدرج. “تقطع في كل مرة شريحة صغيرة. وعندما يشعرون بأنه يمكن اقتطاع شريحة أكبر، مثلما فعلوا في 1999 مع إسطبلات سليمان، فإن ما يفعلونه تم بلا خجل.
“لقد حصلوا هنا في حينه على المسجد الأكبر في المنطق، الذي فيلم يبن زمن الأتراك أو البريطانيين بل في زمن إسرائيل، ونحن غضضنا الطرف. قلنا سنسمح للصوص بأن يفرد جناحيه ويتعلم كيف يطير. لم ندرك بأن هذا الصوص طائر مفترس. الحرم المكان الوحيد الذي ترى فيه ثقة ذاتية استعراضية للفلسطينيين بلا خجل”.
اشرح؟
“يشعرون بأنهم رب البيت، وبأن لهم ظهراً، ليس ظهر السلطة الفلسطينية الهشة، بل ظهر الدول. رجال الأوقاف هنا لا يشعرون بأنهم مبعوثو أبو مازن، بل مبعوثو ملك الأردن، ملك المغرب، اردوغان، كل الإسلام. أنا أعرف الفلسطينيين بشكل لا بأس به. انظر إليهم، سترى ثقتهم بأنفسهم”.

هل هناك سياسة إسرائيلية واضحة بخصوص الحرم؟
“في نهاية الأمر نحن الذين نفرض الأمر هنا. الوضع الراهن جد واضح، وفي الأماكن التي يتحدوننا فيها سنعمل بحزم”.
مثال على ذلك هو المسجد الذي سعت الأوقاف إلى فتحه قبل نصف سنة في باب الرحمة. “هذا مثال كلاسيكي، حصلوا فيه على إذن لبناء مكاتب للأوقاف، ولكن نيتهم الحقيقية كانت واضحة: لا ينوون شيئاً آخر سوى المسجد”، يقول. “بقدر ما يتعلق الأمر بي، هذا لن يحصل. لا أرى أي حكومة في إسرائيل ستسمح لهم ببناء مسجد في باب الرحمة”.
حجر صغير، صخور كبيرة
السياح يتجولون في الحرم بحرية، لا يرافقهم إلا المرشدون، اليهود محروسون: كي لا يتعرضوا للاعتداء وكي لا يصلوا أيضاً. تحرص الشرطة على المظاهر الخارجية، مثل الملابس والأدوات الدينية، ولكن تحرص أقل على التمتمة… باستثناء الاستفزازيين المعروفين، فوجوه وأسماء هؤلاء معروفة، وأحياناً يمنعون من الدخول إلى الحرم.
يعتقد ديختر بأنه يجب السماح لدخول المصلين اليهود إلى الحرم، “بالضبط مثلما يسمح الدخول للمصلين المسلمين”. وهو يعتقد بأن نهج الفلسطينيين عاطفي وليس عقلانياً، لأنه “عندما يرى المسلم أحداً ما يعتمر الكيبا أو يضع الصليب على عنقه سيجن جنونه”.
ومع ذلك، ينبغي لهذا التغيير –برأيي- أن يتم بالتوافق وانطلاقاً من تفكير عميق، لأن “الحرم حجر صغير يمسك صخوراً كبيرة، وأنت ملزم بأن تسأل نفسك ماذا سيحصل إذا ما حركته بعد 52 سنة.كل تغيير من قد يحدث صدمات كبيرة”.
إن التخوف الدائم هو من عملية يقوم بها متطرفون يهود. منذ التنظيم السري اليهودي في الثمانينيات لم تجد تنظيماً إرهابياً يهودياً إلا ويهتم بإمكانية المس بمساجد الحرم، أو مثلما وصف البعض ذلك: إزالة الرجس من المكان الذي كان فيه بيت المقدس (الهيكل).
يتذكر ديختر تنظيمين كهذا من عهده كرئيس للشاباك: واحد سعى لإطلاق صاروخ نحو الحرم، والثاني لإطلاق طائرة شراعية تحمل مواد متفجرة. وهو يقول إن “قنبلة يدوية في الحرم توازن الحرب. انظر ما حصل في أعقاب إحراق المسجد الأقصى في 1969، أو بعد فتح نفق المبكى”.

ما الذي ستسببه عملية في الحرم؟
“لأي عملية في الحرم آثار أوسع مما تكون لها هنا. وأضع في هذا كل تجربتي الأمنية ومعرفتي بالعالم الإسلامي. لنا هنا جيش ومخابرات وشرطة، ونعرف كيف نتصدى لهذا وكيف نحتويه. ولكني أحرص على ما سيحصل لليهود والإسرائيليين في كل أرجاء العالم. سيصبحون هدفاً في كل مكان فيه مسلمون”.

علينا أن نكون قلقين؟
“نعم. ثمة أناس تفكيرهم منقطعة عن الواقع الذي نعيشه. قد ينهض غداً باروخ غولدشتاين ما فيقرر بأن الرب ظهر له في حلمه وبعثه لتنفيذ عملية فيلحق ضرراً يتبعه أثر هائل”. والسبيل إلى التصدي لهذا التهديد على حد قوله هو دائرتان فوريتان: الاستخبارات والحراسة الجسدية على الحرم. وكذا في الحديث مع الجهات الوحيدة الكفيلة –برأيه- أن تؤثر على المتطرفين الحاخامين. أي عليهم أن يبدوا المسؤولية عن كل يهودي وإسرائيلي في كل أرجاء العالم”.
“الفلسطينيون شعب جبان”

هل هناك حَلّ بخصوص الحرم؟
“لا أرى في هذه اللحظة حلاً في شكل حوار معهم، لأن الفلسطينيين شعب جبان، إذ ليست لديهم شجاعة للقيام بأمور غير حربية. فمن أجل القيام بعملية في باص لا حاجة للشجاعة، بل يكفي أن يكون المرء متزمتاً فلا يرى أبعد من الأنف مسافة متر. انظر ما فعله السادات والحسين، وانظر إلى عرفات وأبو مازن. يجري الحديث الآن عن صفقة القرن: يمكن التعويل عليهم بأنهم دوماً سيحلون لنا المشكلة؟”.
ومع ذلك، جرى الحديث عن سيادة دولية على الحرم، والسماح بالصلاة للجميع، وأمور من هذا النوع.
“قد يكون الحرم بنداً واحداً من بنود كثيرة في اتفاق السلام”، ولكن لا يوجد زعيم فلسطيني يقف في الكنيست ويقول: “انتهى طريق الإرهاب”. في البداية اعتقدت أن عرفات سيفعل، ولكن عندما تعرفت عليه عن كثب أدركت الأمر”.

بمعنى.. أن الحرم سيكون بؤرة احتكاك ترافقنا إلى الأبد؟
“نعم. أو على الأقل إلى أن يكون زعماء في الطرفين، مثل بيغن ورابين، يسيرون إلى خطوات وتنازلات دراماتيكية”.
أما في هذه الأثناء -كما يعتقد- فعلى إسرائيل أن تقف عند موقفها. وألا تخرق الوضع الراهن كي لا تثير الاضطرابات وتدفع ثمناً على ذلك. ويقول: “هناك جهد واضح لجعل كل الحرم هو الأقصى”.
“إذا نجحوا في غرس الإحساس بأن الحرم هو الأقصى، ستكون لهم شرعية لمنع دخول اليهود إليه، والتصرف بالضبط مثلما في مكة والمدينة، حيث الدخول لغير المسلمين محظور. هذه هي اللازمة المركزية التي توجههم، وغير قليلين عندنا يفهمون هدفهم هذا، وما يستنتج من هذا بالنسبة لأهدافنا. علينا أن نكون واعين لذلك. هذا صراع معقد على الوعي محظور الاستخفاف

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.