حروب الجوع… ومؤامرة الغرب الكبرى!

نستحضر فلسفة العولمة التي شاعت خلال العقد الأخير، باعتبارها مرحلة متطورة من الليبرالية الشرسة، ومن ثم نستعيد واحدا من أهم الكتب – المصادر الذي صدر قبل نحو (تسع سنوات)، والذي يشرح بل يفضح فلسفة العولمة أعلى مراحل الليبرالية الشرسة، لكي نعرف هل ما يطبق علينا من سياسات هي نتاج أفكارنا… أم هي سياسات مملاة!

الكتاب عنوان «تقرير لوجانو – مؤامرة الغرب الكبرى» ترجمة محمد مستجير مصطفى وتقديم صلاح الدين حافظ وصدر بالعربية عن دار سطور، وهو كتاب بالغ الأهمية بل هو خطير لا يكتفي بأن يمتعك ولكنه يصدمك بقسوة ما يحمله من أفكار وآراء فظة، تكتسي ثوب العلمية والموضوعية الغربية.

المؤلفة الرئيسية هي الخبيرة الأميركية في قضايا التنمية سوسان جورج، ولوجانو الوارد اسمها في عنوان الكتاب هي مدينة سويسرية، وقد اعتبر كثير من المحلين الغربيين أنه واحد من أخطر الكتب التي ظهرت في الغرب عن العولمة وفلسفتها وأساليب الليبرالية الشرسة والرأسمالية المتوحشة، التي يعتقد هؤلاء المحليون أنها تتعرض لانتكاسات تعرض مستقبلها للخطر، ولذلك يجب سرعة إنقاذها!

وعلى رغم ذلك فإن الكتاب يمثل تيارا فكريا جديدا في الغرب عموما وفي أميركا خصوصا، بدأ يتنبه إلى خطورة انفلات العولمة قمة الليبرالية بصورة متوحشة وشرسة، لأنها تلتهم الفقراء في عالم اليوم لصالح تركز الثروة وتمركز في أيدي قلة من الأغنياء الأقوياء، الأمر الذي يؤدي إلى عكس ما تهدف إليه الليبرالية الحقيقية.

وينطلق الكتاب… التقرير من فكرة رئيسية نقول إن النظام الرأسمالي الغربي هو أنجح ما أنتجه العقل البشري على مدى التاريخ لأنه القادر من دون سواه، على تحقيق الرخاء والتقدم، وبأن نظام السوق الحرة، بكل ما يحمله من ضغوط وأعباء على الطبقات الأفقر والأقل دربة وكفاءة، هو الذي يجب أن يسود، بدلا من نظريات العقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية البالية!

وكما مرت الليبرالية والرأسمالية بمراحل تطور كثيرة في السابق، فإنهما تمران الآن بالتطور نحو العولمة ذات القيم والأساليب الأشد قسوة وبشاعة عن كل ما سبق. ولكنهما في عرف الكتاب، قدر لا مفر منه في القرن الحادي والعشرين، الذي لن تدور سياساته «حول تقاسم الكعكة – الثروة كما فعلت في عصور دول الرعاية بعد الحرب العالمية الثانية، أو حول من سيحصل على أي موارد وكيف ومتى، بل تدور حول مسألة بالغة الأهمية وهي البقاء على الحياة».

ولذلك سيزداد عدد الخاسرين في العالم، إذ إن العشرين في المئة الأعلى من البشر، يسيطرون الآن على 84 في المئة من أصول الثروات، مقابل 70 في المئة فقط قبل ثلاثة عقود، في حين أنه على العشرين في المئة المهملين في القاع أن يقنعوا بما لا يزيد كثيرا عن واحد في المئة من الثروة العالمية.

وانطلاقا من هذه الحقيقة البشعة، يمضي بنا تقرير لوجانو إلى ما هو أكثر بشاعة، مما ينتظر شعوبنا المسكينة المقهورة في ظل هذه العولمة والليبرالية الشرسة، بكل ما تمارسه من أساليب امتصاص دماء الفقراء لكي يثرى الأغنياء الأقوياء، وصولا لاكتشاف الفاجعة التي يفترض أن تقع لكي تنجح العولمة، وتتخلص في صورة ليس فقط في إيقاف تزايد سكان العالم عند رقم ستة مليارات، ولكن ضرورة تخفيض هذا الرقم إلى أربعة مليارات فحسب، وذلك باستخدام أفظع الأساليب الوحشية، من فرض التعقيم الإجباري وإطلاق حرية الإجهاض، إلى إشعال الحروب والصراعات، ونشر الأوبئة والأمراض الفتاكة، لكي تلتهم الزيادة السكانية.

ونرى أن ذلك الفكر الشيطاني يماثل أكثر الأساليب النازية فحشا، التي كانت تؤمن بأن هناك عرقا متميزا واحدا، هو العرق الآري، وما غيره حثالة بشرية يجدر التخلص منها بالتطهير العراقي والقضاء على الأجناس الرثة والفقراء العالة والعاطلين الكمالة!

هكذا يقول الكتاب التقرير، إن رقم أربعة مليارات من البشر، هو الرقم المثالي، الذي تستطيع معه الرأسمالية وآليات السوق والعولمة، أن تحقيق النجاح والازدهار للعالم الغربي المعرض للتهديد الدائم، فإن بحثنا عن مصادر هذا التهديد يجيبنا الكتاب بأنها أربعة مصادر هي أولا البطالة المتزايدة، وثانيا الاضطرابات الاجتماعية، وثالثا التدهور البيئي، ورابعا الانهيار المالي الذي تتعرض له الأسواق بين فترة وأخرى، وهي تهديدات ستؤدي إلى كوارث في القرن الحادي والعشرين إن لم يواجهه الغرب بقوة دفاعا عن جوده.

وفي ظل حرية السوق وفلسفة العولمة، لابد لكل شخص أن يتنافس، ليس مع أقرانه وجيرانه، بل مع غرباء لا يعرفهم يبتعدون عنه آلاف الأميال، ولذلك يرى الكتاب أنه لما كان الربح هو هدف النظام الاقتصادي الحر، فلابد من أن تكون الشركات حرة، تنتمي إلى حملة أسهمها، ليس للبلد أو المدينة أو الدولة التي تصادف أن يكون مقرها فيها… إنها الشركات العابرة للقومية وللحدود وللقارات… وهذه هي السلطة الحاكمة في عالم اليوم وغدا، وهذه هي التي تغزو أسواقنا اليوم وتشترى أصولنا في ظل الخصخصة!

وعلى رغم أن الدولة الغنية ستظل غنية نسبيا، لكن ليس في وسع كل مواطنيها أن يستفيدوا من تكوين الثروات الجديدة في ظل العولمة وآليات السوق، كما يقول الكتاب، أما سكان الدول الأفقر والأكثر تخلفا وتضررا، فسيعانون درجات رهيبة من الجوع الواسع النطاق والبطالة المتسعة، ما يخلق أوضاعا قابلة للانفجار.

في حين سيؤدي النبذ والاستبعاد والتهميش الاقتصادي الاجتماعي، إلى إثارة سلوك تدميري، يشمل الجريمة والهجرات الواسعة، والإرهاب، وسيعجز نظام الدولة عن العمل والمواجهة، وهذا ما لم يعترف به قادتنا، ربما لأن هذا يتطلب من الساسة أن يفكروا فيما لا ينبغي التفكير فيه، وبالتالي فإنهم يكذبون على شعوبهم، كما يكذبون على أنفسهم… هكذا يعترف تقرير لوجانو!

يظل هدف إيقاف زيادة السكان في العالم والاكتفاء بأربعة مليارات بدلا من ثمانية في العام 2030 هو الهدف الاستراتيجي لليبرالية الشرسة، حتى تتمكن الحضارة التي لا تمثل سوى أقل من 15 في المئة من سكان العالم، من التمتع بازدهار العولمة ونتائجها المقبلة، ومن ثم يجب التخلص من الزيادة النفاية البشرية بأسرع ما يمكن وبأكثر الطرق وحشية، ولعل هذا ما يفسر لنا أن دول الحضارة الغربية هي محرك الصراعات ومشعل الحروب في العالم، وهي مصدر الأسلحة والأوبئة، مثلما هي مصدر إلهام تيارات عالمنا المطحون المقهور، منها يستقون الأفكار ويتلقون التوجيهات، ويطبقونها علينا من دون وعي أو بوعي لا فرق.

وانظر كيف يساند الغرب الأوروبي الأميركي، الحكومات الفاسدة والديكتاتورية على امتداد العالم الثالث المزدحم بالنفايات البشرية الزائدة! لكي تقهر شعوبها جوعا وظلما وإفسادا، من دون أن تبذل أي جهد حقيقي في التنمية الشاملة، وفي مقاومة المجاعات والفقر المتزايد والقهر المنظم للفئات الأفقر، في ظل الخصخصة المتسرعة وآليات السوق المنفلتة، بل إن هذه الحكومات، بفسادها وظلمها، تساعد عمدا على اتساع مساحات الفقر والبطالة، ما يؤدي، فوق استنزاف الموارد وإهدار الثروات الوطنية سلبا وبيعا للشركات الأجنبية، إلى الاحتقان السياسي والغضب الاجتماعي، الذي يقابل بالقهر الأمني.

والمطلوب وفق تعاليم الليبرالية الشرسة، كما جاء في كتاب «تقرير لوجانو مؤامرة الغرب الكبرى» أن تصاب ملايين الفقراء بالجوع والموت البطيء يأسا وإحباطا، وإلا فماكينة العولمة جاهزة بمزيد من الأوبئة والحروب والصراعات القاتلة للبشر، حتى ينعم الغرب بمزيد من ازدهاره.

هل نحن بعيدون عن كل ذلك… وهل اتضحت الرؤية!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.