بأي حال عدت يا رمضان؟

بقلم دينا حسن نصير

وها هي الأيام تجري مُسرِعةً، وتَنقضي الأعوام مُتَتابعة، فكأنَّنا نَنظر إلى مشهدٍ قد مرَّ بنا منذ أيام قليلة، وليس عامًا كاملاً مرَّ بحلوه ومرِّه!

وكأن لحظات استقبالنا لشهر رمضان الماضي كانت بالأمس القريب، نتذكَّر كيف استقبَلْنا هذا الضيف الحبيب بشوق وتلهُّف، وعزمٍ على عبادةٍ وطاعة وبرٍّ، وحفاوة، ونتذكَّر أيضًا كم ودَّعناه بحزن ولوعة وتحسُّر على ما فاتنا فيه من خير وفير، وعزْمٍ على أن يكون رمضان التالي له حال غير الحال، وفيه بذْلٌ يُرضي الرحمن!

وها هو العام قد مرَّ كلمح البصر، كأيام، بل كساعات، فماذا أنت فاعل يا باغي الخير؟ ماذا أعددت لاستقبال هذا الضيف؟ وهل سيكون رمضان فعلاً مختلفًا هذا العام أم كالأعوام السابقة؛ يبدأ بلهفة وشوق، وينتهي بحسرة وندم؟!

ما رمضان إلا إحدى محطات مراجعة النفس والتي ينبغي على كل مسلم استغلال هكذا فرصة وذلك بمحاسبة النفس وإعادتها إلى بارِئها

ما زلتُ أتذكَّر ليلة العيد والجميع حولي في فرحة وسعادة بقدوم العيد ومباهجه، وأنا أسرح بخيالي في أيام مضت – ثلاثين يومًا – كل لحظة عشتها في تلك الأيام تمرُّ كشريط يُعرض أمامي:

• كم مرة ختمت القرآن؟! فتخاطبني نفسي: “العبرة بالكيف وليس بالكم”، وهل يا نفس عشت أيامك في تدبر لكتاب الله أم أنها مجرَّد حُجَّة وتعليل تخدعين به نفسك؟!

كم من صلاة أديتها بخشوع وحضور قلب؟!

كم من أوقات ثمينة في هذا الشهر المُبارَك ضاعت بلا فائدة؟!

كل ذلك دار في خلدي وأنا أستعدُّ لاستقبال العيد، وغلبتني دموعي ألمًا وحسرة على ما فرطت وضيعتُ، وعزمت عزمًا أكيدًا أن رمضان القادم سيكون لي معه شأن آخر، وها هو رمضان قد أتى، فماذا أنتِ فاعلة يا نفس؟!

هل استشعرت مدى نعمة الله عز وجل عليك أن أمد في عمرك حتى تعيش رمضان مرة أخرى؟ نعم؛ والله إنها نعمة وأي نعمة؟! أن يتاح لك اغتنام فضل هذه الأيام المباركة مرة أخرى، فلا تضيِّع هذه النعمة؛ فكم من أناس كانوا معنا رمضان الماضي ولم يَدُر بخلدهم أنه آخر رمضان لهم، وأنه سيأتي رمضان جديد وهم ليسوا أحياء، بل تحت التراب، أُغلقت صحائف أعمالهم، فإن كان خيرًا فهنيئًا لهم، وإن كان غير ذلك فلا مكان لاستدراك ما فات، فاستشعر نعمة إدراكك لرمضان، وأعدَّ لاستِقباله فرحة وعزمًا ونيةً صادقة، نعم، رمضان هذا سيكون مختلفًا، سيكون أكثر طاعة وعبادة وإخلاصًا لرب العالمين سبحانه وتعالى.

في كل عام وفي نفس هذا الوقت نقرأ مثل تلك الكلمات، فتتأثَّر قلوبنا، ونتحمَّس ونَنوي أن رمضان هذا العام سيكون غير الذي كان، ولكن ما نلبث أن نعود كما كنا، تسويف وأمانٍ، ولا نستيقظ إلا في ليلة العيد بعد انتهاء السباق، فيَفوز مَن جدَّ وصبر، ويتحسَّر مَن فرَّط وكسل، فلتكن من الفائزين السابقين للخيرات هذا العام، نية صادقة وعزم ومجاهدة هو ما تحتاجه لتكون في الصفوف الأولى في سباق يسعد ويُفلح مَن يُسابق فيه بصدق ونيَّة خالصة، سباق يستغرق ثلاثين يومًا، ولكن أثره على قلبك وطاعتك يمتدُّ بقية شهور العام، فإن مِن أثر الطاعة التوفيقَ لطاعة أخرى، فالطاعات تجرُّ بعضها بعضًا، ومَن علم اللهُ في قلبه الصدق، وفَّقه للطاعة بعد الطاعة.

ابدأ شهرك وفي بالك أنه قد يكون آخر رمضان لك، فاملأ صحيفة أعمالك بما تحب أن تلقى الله به، ثقِّلها بما يسرُّك رؤيتُه يوم تلقى الله، وتذكَّر أن مَن هم تحت التراب لو سألناهم: ماذا يتمنون؟ لكانت أمنيتهم ساعةً واحدةً يذكرون الله فيها، فاغتنم ساعاتك في تحقيق تلك الأمنية قبل أن يُحال بينك وبينها.

فافرحوا برمضان مهما كانت الظروف واستبشروا بقدومه، فهو فاتحة كل خير وفيه تتنزل الرحمات. اطمئنوا قد يأتيكم الفرج فجأة، كما أتاكم الإبتلاء بغته. فثق بالله ولا تيأس. 

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء ومبارك عليكم شهر الرحمة والغفران. 

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.