الهجرة النبوية.. دعوة للدراسة والاعتبار

طارق هارون

الهجرة من الهجر والترك وغالباً تأتي بالإكراه حيث الشخص لا يحب أن يهاجر من وطنه إلا رغماً عنه، وهذا ما نراه في الحقل الدلالي لكلمة هجر أو الهجران، وارتبطت الهجرة في التراث الإسلامي بالإعلان الأول لميلاد الإسلام وإن تأخر اتخاذها تقويم إسلامي مثله مثل التقويم الميلادي وغيره. ونرى أن رؤية القس ورقة بن نوفل قد تحققت عندما تنبأ وقال للرسول صلى الله عليه وسلم أن قومه سوف يُخرجوه وقد أخرجوه حزيناً أسفاً بما فعلوا وهو يخاطب مكة التي أحبها بأنه ما كان ليخرج لولا أن قومها أخرجوه.

ومن هذه اللحظة استطاع الإسلام أن يتحول من المحلية في ذلك الزمان إلى العالمية وهذه المرحلة تُعد البداية الحقيقة لانتشار الإسلام حيث اكتسب فتوحات جديدة متمثلة في منطقة يثرب التي استطاع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يكوّن مدينته ويضع لها قواعد الدولة الإسلامية التي سوف تنطلق لتنشر الإسلام فيما بعد. اتخذ المسلمون هذا الحدث التاريخي الذي به استطاع الإسلام أن يخرج إلى العلن بدعوة جهرية تقويماً سنوياً قياساً على تقويم ميلاد السيد المسيح عليه السلام كما ذكرنا من قبل وغالباً ما يكون مخالفاً للتقويم الميلادي حتى يصبح المسلمون تقويماً إسلامياً يهتدون به.

بداية الدعوة الإسلامية بدأت بالهجرة التي قام بها الصحابة إلى أرض الحبشة فراراً بالدين وخوفاً على أنفسهم فنشروا الدين في كافة المعمورة حتى دفع الإمام مالك عندما عرض عليه أمير المؤمنين في عهده أن يحمل كل المسلمين على الموطئ فرد عليه متخوفاً بأن لا تفعل حُجته أن صحابة رسول الله هاجروا وانتشروا في كل أنحاء العالم ويخشى أن تتضارب رواياته التي نقلها مع غيرها من الروايات. هنا نجد الإمام مالك جعل باب الاجتهاد مفتوحاً ولم يتمسك بحمل الناس على كتاب واحد ولكن رأيه أن لكل صحابي اجتهاده في تعامله والبلد التي هاجر إليها.

العبرة في هذه الهجرة تكمن في الوقفة مع التراث بالدراسة وفق مناهج تفسيرية وتفكيكية فاحصة تستلهم العبر وتقود إلى أخذ العبرة والاقتداء مع نقد موضوعي للتراث يقود إلى البرهان
والشافعي عندما ترك العراق مهاجراً إلى مصر غير مذهبه الذي كان يفتي به بمذهب غيره بلا شك أنه اكتشف أن بيئة مصر ليس كالعراق من أجل ذلك رأى أن يجتهد ويضع ما هو مواكباً للبيئة المصرية. معظم الهجرات التي حدثت في ذلك العهد دافعها سياسي ديني نشر الدين وإدخال الناس إلى الإسلام والتعريف بالإسلام وكسب تحالفات خارجية تستطيع أن توفر مأوى للمسلمين المهاجرين.

النية في الهجرة من الأمور الضرورية فالهجرة عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”، على هذا النص استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع أول قاعدة مفاهيمية دينية للهجرة وتعريفاً أخلاقياً للهجرة، فالهجرة إلى الله ورسوله مثل طلب العلم أو نشر الإسلام “فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ” السائحون الذين ينشرون الإسلام ويبلغون رسالة ربهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم أهل الله وخاصته، والهجرة إلى ما دون ذلك لا تعد هجرة في مفهومها النبوي الديني كقاعدة ينطلق منها.

العبرة في هذه المناسبة تكمن في الوقفة مع التراث بالدراسة وفق مناهج تفسيرية وتفكيكية فاحصة تستلهم العبر وتقود إلى أخذ العبرة والاقتداء مع نقد موضوعي للتراث يقود إلى البرهان. معظم المسلمون قد سقط عنهم راس السنة الهجرية سهواً أو أنهم لا يحتفلون بها بسبب ديني في كون أن الاحتفال بهذه المناسبة يعد من البدع والمنكرات كما يحاول أن يصور ذلك الجماعات السلفية، أو بسبب اجتماعي هو الركض خلف أسباب المعيشة وهذه الأشياء ليست مبرراً على نسيان مناسبة كهذه ليست مناسبة تعرض من خلالها أفلام دينية أو مدائح نبوية، بدل مناسبة يجب أن تدرس دراسة وافية وتعقد حولها الندوات والمؤتمرات للتعريف بالتراث.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.