المطلوب رفع الأسعار

بقلم الشيخ كمال خطيب

إن غلاء الأسعار وارتفاع أثمان الحاجيات والسلع هو مما يمقته الناس، حيث عموم الناس تحب توفر السلع والحاجيات بالأسعار الرخيصة التي تمكِّنهم من اقتناء ما تتطلبه ضرورات الحياة. وعلى عكس المشتري فإن البائع يتمنى أن يبيع بضاعته بالأثمان المربحة والمرتفعة لضمان كسبه وزيادة ثروته.
ليس عن أسعار الطعام واللباس نتحدث وإنما عن أفعال الناس وقيمة الواحد منهم في ميزان أخيه.
سمع شخص عن صديقين قد دبّ بينهما خصام، فهجر أحدهما الآخر وانقطعت الصداقة والأخوة بعد سنين طوال من الأخوة والوصال، فقال صديق ثالث لأحد الصديقين بكم بعت صاحبك؟ فقال بعته بتسعين زلة أي تسعين خطأ. فقال له لقد أرخصته، أي بعته بثمن رخيص زهيد.
المقصود أن ذلك الصديق قد احتمل من صديقه تسعة وثمانين زلة وتقصيرًا، سبق وأخطأها بحقه لكنه ما عاد يحتمل ذلك في الخطأ التسعين، بينما كان موقف الصديق المشترك بينهما اللوم والعتب للذي احتمل من أخيه فقط تسعين زلة وفرّط بعدها بالأخوة بينهما حيث كان يجب أن يحتمل أكثر من ذلك، فالتسعين زلة هي ثمن رخيص لأخيك.
ترى كم يساوي ثمن وسعر كثيرين من الناس في محيط أحدنا، كم يساوي قريبك الذي هجرته، كم يساوي جارك الذي لا تسلم عليه ولا تزوره، بل كم يساوي شقيقك الذي لا علاقة بينك وبينه لسنين طوال وهو الذي ولدتك أمه أنت وإياه من صلب رجل واحد ومن رحمٍ واحدة.
بل كم هو سعر أمك التي هجرتها وقطعتها بزعم أنها تعامل أخوك بأفضل مما تعاملك، بل كم هو سعر زوجتك التي تنسى كل فضائلها وحسناتها ووقوفها إلى جانبك وإذا بك تبيعها بزلة واحدة أو بأقل من ذلك.
لا بل إن من الناس من باع أباه أو أخاه أو جاره أو صديقه بلا ثمن وبلا سبب وبلا زلة، أطاع شيطانه ونفسه الأمّارة بالسوء. فراجِع قائمة أسعار من بعتهم لتجد أنهم أثمن بكثير من السعر الذي بعتهم به، بل إنك ستجد نفسك قد أبخستهم الثمن وفي هذا ظلم كثير.
وأي ظلم أعظم من أن ترخص سعر جارك وبيت جارك بسوء خلقك وإساءاتك المتكررة، فقد ورد أن أحد الجيران قد باع منزلًا له بثمن جعل الناس يستغربون ويعيبون عليه البيع بهذا الثمن، لأن بيته يساوي أكثر من ذلك بكثير، فأنشد الرجل قائلًا:
يلومونني إن بعت بالرخص منزلي
ولم يعرفوا جارًا هناك ينغّص
فقلت لهم كفّوا الملام فإنما
بجيرانها تغلو البيوت وترخص

قال الدكتور حسان شمسي باشا: “ترى هل سنرفع أسعار من ما زالوا قريبين منا ونتحمل زلّاتهم وأخطائهم مهما كبرت ومهما تكررت؟
هل سنحاول استعادة وُدّ الذين خسرناهم سابقًا؟
هل سنفعل ذلك أم أننا سنستمر نعمل بعكس ذلك؟
فلا تبع أصدقاءك وأحبابك وإخوانك وجيرانك ومن تربطك بهم علاقة وُدّ بأيّ ثمن من الزلّات. ارفع أسعارهم وأعلِ أسعارهم مهما عظمت زلّاتهم فالقرار لا يزال بيديك. واعلم أن الله سبحانه قد أثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وأنه سبحانه يحب المحسنين من خلقه، فكن أنت من هؤلاء {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133-134 سورة آل عمران.
اللهم اجمعني في الجنّة مع كل من أحببتُ فيك يا رب العالمين.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.