“المثالثة” بعد “المناصفة”.. كابوس يطارد مسيحيي لبنان

المصدر: وكالة الأناضول

“المثالثة” تعني تقاسم عملية صنع القرار السياسي بين السنة والشيعة والمسيحيين بدلا من “المناصفة” الراهنة بين المسلمين والمسيحيين
النائب عماد وكيم: المسيحيون يتخوفون من مؤتمر تأسيسي يؤدي إلى “مثالثة” على مستوى القرار السياسي ما يعني تقليص دورهم
خبير دستوري: ثغرات في الدستور منها مهلة تشكيل الحكومة.. البعض يهددون بالمؤتمر التأسيسي لتحقيق غايات سياسية
وزير أسبق: الأزمة قائمة منذ الاستقلال مرورا باتفاق الطائف فالاستقرار لم يتحقق عبر النظام السياسي القائم
زياد بارود: المناخ غير مؤاتٍ لمغامرة تعديل النظام.. وموازين القوى لا تسمح لفريق بفرض نظام جديد على الآخرين
مع تعثّر أي استحقاقات لبنانية، من انتخابات نيابية أو رئاسية أو تشكيل حكومة، تعلو أصوات ترى أن لبنان يعيش أزمة نظام سياسي تُحتّم إجراء تعديلات دستورية.

هذه التعديلات مرتبطة بمؤتمر تأسيسي، على غرار “اتفاق الطائف”، الذي أنهى حربا أهلية بين الفرقاء اللبنانيين دامت 15 عاما، وتم التوصل إليه في 1989، بوساطة سعودية.

وتماشيا مع اللوائح المعمول بها بعد الاتفاق، الذي أسس للمحاصصة الطائفية، يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا، ورئيس مجلس النوب شيعيا، ورئيس مجلس الوزراء سنيا.

وتهدف تعديلات “المثالثة” المطروحة إعلاميا، بحسب تخوفات المسيحيين، إلى تقليص الدور المسيحي في كافة مؤسسات صنع القرار، وهو ما جعل من الحديث عن تلك التعديلات كابوسا يراود الطوائف المسيحية في لبنان.

وهو ما ظهر جليا في صرخة أطلقها الكاردينال الماروني اللبناني، مار بشارة بطرس الراعي، قبل أيام، خلال لقاء جمع 34 شخصية مسيحية من رؤساء الكتل النيابية ونوابهم، في البطريركية المارونية شرقي العاصمة بيروت.

الراعي قال إن “من أسباب الأزمة السياسية عدم تطبيق الدستور واتفاق الطائف، مما جعل المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، في حين يُحكى في السر والعلن عن مؤتمر تأسيسي ومثالثة في الحكم تضرب العيش المشترك”.

ويقول مراقبون إن “المثالثة” هي مطلب مبطن لـ”حزب الله”، بينما لم تطالب به الجماعة في العلن ولم تستنكره.

والمقصود بـ”المثالثة” هو تقسام عملية صناعة القرار بين السنة والشيعة والمسيحيين، بدلا من المناصفة الحالية بين المسلمين والمسيحيين، مما يعني، بحسب تخوفات مسيحية، الانتقاص من الدور المسيحي.

وتناهض الطوائف المسيحية اللبنانية “المثالثة”، على اعتبار أن أي تغيير في النظام السياسي يعني بالضرورة تقليص تمثيلها، وتحجيم دور المسيحيين الفاعل في السياسة على مستوى القرار، عبر “مثالثة” تشكّل خطرا على الدور السياسي المسيحي.

** مغامرة مستبعدة حاليا

وزير الداخلية والبلديات الأسبق، زياد بارود، اعتبر أن “الحديث اليوم عن أزمة نظام هو أمرٌ مبالغٌ به؛ فالأزمة قائمة منذ زمن”.

وتابع بارود، في تصريح للأناضول: “لبنان في أزمة نظام سياسي منذ عام 1943، تاريخ استقلاله عن الانتداب الفرنسي، مرورا بعام 1990، واتفاق الطائف، فالاستقرار السياسي عبر النظام لم يتحقق، بدليل المطالبات العديدة بتعديل أو معالجة الثغرات التي أنتجها النظام في لبنان”.

ورأى أن “ما يحصل اليوم لن يؤدي بالضرورة إلى تعديل هذا النظام في المدى المنظور، لسببَين على الأقل، أولا أن المناخ غير مؤاتٍ إطلاقا لمغامرة كهذه، وثانيا لأن موازين القوى اللبنانية لا تسمح لأي فريق بأن يفرض على الآخرين نظاما جديدا أو آلية حكم جديدة”.

وأردف: “إعادة النظر بالدساتير والأنظمة أمر مشروع في كل الدول، شرط أن يأتي بنتيجة توافق ونقاش وطني وليس بنتيجة انقلاب أو ضغط ما”.

وبرّر بارود توصيفه لتعديل الدستور بالمغامرة قائلا: “على اعتبار أن الخلاف على تعيين وزير يعطّل تشكيل الحكومة في لبنان لأشهر، فكيف إذا كان الموضوع على مستوى النقاش في الدستور”، في إشارة إلى التوتر الذي يمكن أن ينتج عن هذا الأمر.

** تقليص الدور المسيحي

لا ينكر النائب البرلماني في تكتّل “الجمهورية القوية”، عماد واكيم، أن “هناك تخوفٌ حقيقي على المستوى المسيحي من خطوة المؤتمر التأسيسي”.

وأضاف للأناضول أنه توجد “مجابهة لهذه الخطوة، لما تشكّل من خطورة على هوية لبنان، التي تميّزه عن غيره من دول الشرق الأوسط، وهي الوجود المسيحي كعمود فقري، وحرية المسيحيين في العمل السياسي”.

وأرجع التخوف المسيحي من أي تعديل قد يطرأ على النظام السياسي إلى “ارتباط التعديل بالمثالثة، التي يطالب بها بعض الأفرقاء سرا، أي تقليص التمثيل المسيحي من المناصفة، التي يضمنها النظام الحالي، إلى المثالثة”.

وحذر واكيم من أن “قضم (تقليص) الدور المسيحي على مستوى القرار في السياسة اللبنانية قد يؤسس لتغيير وجه لبنان المعروف بالتنوّع والتعايش المشترك”.

ورأى أن “الحل يكون بتطبيق النظام الحالي، بدلا من تعديله، وقيام الدولة الحاضنة للجميع”.

وشدد على أن “مسيحيي لبنان ليسوا ضد أي تعديل في النظام، كالتوجه نحو دولة مدنية مثلا، بل ضد أي تعديل يمسّ بجوهر لبنان المرتبط بالحضور الفاعل للطوائف المسيحية، على عكس باقي الدول العربية”.

** ثغرات دستورية

عرّف الخبير الدستوري اللبناني، ماجد فياض، مصطلح المؤتمر التأسيسي، بقوله: “عندما يستعمل بعض السياسيين أو القانونيين الدستوريين هذا التعبير يعنون إعادة النظر في اتفاق الطائف، الذي باتت بعض بنوده موادا في الدستور اللبناني، في أيلول (سبتمبر) 1990”.

وتابع فياض، في حديث للأناضول، أن “البعض يستعملون التهديد بالمؤتمر التأسيسي من وقت إلى آخر لتحقيق غايات سياسية، وأحيانا لتخويف الناس كي لا تحلم ولا تأمل في أن يكون هناك اتفاق بديل للطائف يؤمّن المواطنة الشاملة خارج القيود الطائفية والمذهبية”.

وأوضح أن “الدستور اللبناني القائم على التوافقات والتنازلات التي تمت في الطائف تنجلي فيه ثغرات عديدة تعيق الحكم الرشيد في البلد، ويجب إعادة النظر فيها بصورة تمكّن من تلافي الاشكالات السياسية والوطنية”.

وعلى سبيل المثال، قال فياض إن “المشاكل المتصلة بمهلة تأليف الحكومة وحق تأليفها بمعزل عن أي تدخل، هي من الثغرات التي تحتم بطريقة أو بأخرى إعادة النظر بالدستور اللبناني”.

ولا ينص الدستور على مهلة لتشكيل الحكومة. ومنذ مايو/ أيار 2018 لم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من تأليف الحكومة، وسط اتهامات متبادلة بين الفرقاء السياسيين بالمسؤولية عن هذا التعطيل.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *