التاريخ يعيد نفسه

كل قاريء للتاريخ العربي يمر عليه دولة الغساسنة ودولة المناذرة اللتان سادتا في العصور الغابرة يوم كان يحكم الأرض قطبين أوحدين الفرس والروم ،قد ينظر كثيرٌ من العرب لتلك الدولتين بفخر واعتزاز.

لكن ينظر إليهما قارىء التاريخ على أنهما دويلتان تابعتان تدور كلٌ منهما في فلك القطب المجاور لها وتعمل بأمره ما يشاء ( الامارات الحاجزه ) ، نحن نعرف أن حروباً طاحنة دارت بين تلك الدولتين العربيتين و ذهب الآف الضحايا لهذه الحروب من العرب ، فقط خدمة لمصالح (الفرس او الروم ) ولم تكن تلك الدولتين سوى دولتين وظيفيتين لأسيادهما سواءٌ رَجَزَ شعراءهما الشعر في الفخر ، أو الحماسة في الفروسية والحرب.

الغساسنة سكنوا قرب حدود بلاد الشام الجنوبية واتخذوا مدينة بصرى الشام عاصمة لهم وكانوا موالين لدولة الروم واعتنقوا الديانة النصرانية لأجل تقربهم من الروم، وقد جعل الروم الغساسنة حراساً لهم على حدود الشام ضد غارات المناذرة حلفاء الفرس!

المناذرة حكموا العراق واتخذوا الحيرة عاصمة لهم وكانوا حلفاء وحراس للفرس وموالين لهم.

وكان الملك فيهم مهما بلغ من السيادة و الرفعة لا يعدو ان يكون عبدا لدى اسياده الروم او الفرس ، و مثال ذلك النعمان بن المنذر بن ماء السماء اعظم ملوك المناذرة و العرب في الجاهلية ، حتى قال فيه النابغة الذبياني : فإنكَ شمسٌ ، والملوكُ كواكبٌ, إذا طلعتْ لم يبدُ منهنّ كوكبُ.

كان هذا الملك المبجل عند العرب مجرد عبد و خادم لدى سيده كسرى الفرس ، يدعوه فيستجب و يؤدى فروض الطاعة و يتذلل له الى ان ظهر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية وانضمت القبائل العربية لهذا الدين فصلحت أمورهم وعاشوا اعزاء متعاونين ينبذون الظلم والأحقاد ويحكمون شرع الله العادل و خضع لهم الروم و الفرس ، ودخل في عهدهم الناس .

المؤسف في الأمر أن هناك معارك طاحنة تدور وستدور بين الغساسنة الجدد والمناذرة الجدد ، و هذا ماهو الا نتاج طبيعي عن تخلى العرب عن سبب عزهم و هو الاسلام و التحول للعروبة التي ارجعتهم لحالهم الذي كانوا فيه اول مره ، مجرد غساسنة او مناذرة !!!

إن هروب المناذرة للإحتماء بدولة فارس لن يكون لهم مخرجاً سوى التبعية والتقزم،
كما إن هروب الغساسنة للإحتماء بدولة الروم لن يزيدهم إلا تقزماً وذلا.

فما أشبه الأمس باليوم فلنتأمل التاريخ ونأخذ العبر.اللهم صل على نبينا محمد وعلى اله واصحابه البررة.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.