الأسرى يعايشون أجواء رمضان رغم قيد السجانين

تزداد مأساة الأسرى الفلسطينيين خاصة النساء والأطفال، في شهر رمضان، فإضافة إلى البعد عن الأهل وقضاء وقت الصيام في الأجواء العائلية المعتادة، تزيد سلطات الاحتلال من إجراءاتها التعسفية ضدهم، غير أن ذلك لم يمنعهم من الاحتفاء بالشهر وطقوسه بقدر المستطاع.
ففي داخل زنازين وغرف السجن التي تفتقر لمعظم مقومات الحياة، يقبع نحو ستة آلاف أسير، بينهم أكثر من 50 أسيرة، بينهن أمهات تركن وراءهن أطفالا صغارا، وأكثر من 300 قاصر، علاوة على المرضى وكبار السن. وتفيد الإحصائيات الرسمية أن من بين الأسيرات 22 أما، لـ79 ابنا وابنة، حيث تحرم بعضهن من زيارة أبنائهن، كما وتحرم الأسيرات الأمهات من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضان أبنائهن، أو لقاء أبنائهن الأسرى، وتقول هيئة شؤون الأسرى إن من بين الأسيرات أمهات لأطفال رضع اعتقلتهن سلطات الاحتلال وحكمت عليهن بالسجن لسنوات طويلة، علاوة على معاناة الأسيرات من افتقار الخصوصية، بسبب وجود كاميرات داخل السجون. كما اشتكى الأسرى القصر مرارا من تعرضهم للضرب والتهديد، ويشعرون بالوحدة والألم الشديد، في الشهر الفضيل، لحنينهم إلى الدفء الأسري، فيما تزداد معاناة كبار السن الذي يحتاجون إلى رعاية خاصة. ويشتكي هؤلاء جميعا من معاملتهم من قبل السجان الإسرائيلي بشكل مهين، ومخالف لكل القوانين والشرائع الدولية، فجميعهم يشتكي قلة الطعام وسوء جودته، إلى جانب تعمد وضع الكثير منهم في زنازين انفرادية، وعدم تلقي المرضى منهم العلاج اللازم، ضمن سياسة «الإهمال الطبي»، وكذلك حرمانهم من لقاء صغارهم بدون وجود قضبان حديدية.
وإلى جانب هذه الأشياء، يشعر هؤلاء بضيق أكثر في الشهر الفضيل فلا الطعام ولا الشراب ولا حتى الأجواء العامة تجعلهم يعايشون هذا الشهر كباقي المواطنين في الخارج، خاصة وأن جميعهم يفتقر «لمة الأهل»، حول مائدة طعام واحدة، خاصة الآباء والأمهات الذين حرمهم السجان هذا الشعور.
ويشير رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر إلى المعاناة التي يتعرض لها الأسرى في هذه الأوقات، وتشمل تعمد إدارة سجون الاحتلال «التنغيص» عليهم، وتعكير الأجواء الرمضانية، من خلال تعمد تأخير إدخال الإفطار للأسرى القابعين في مراكز التوقيف لساعات متأخرة من الليل، وتقدم أطعمة ووجبات سيئة الكمية والجودة، ومنع الأسرى من أداء صلاة التراويح، وتواصل سياسات النقل والتفتيش والعزل. يقول رياض الأشقر الناطق باسم مركز أسرى فلسطين، إحدى الجهات التي تتابع أوضاع الأسرى، إن إدارة السجون تتعمد إرباك الوضع الاعتقالي في هذه الأيام، حتى لا يشعر الأسرى بخصوصية رمضان، وذلك عبر عمليات الاقتحام والتفتيش والاستنفار الدائمة تحت حجج وذرائع واهية، التي تستمر أحياناً منذ الصباح وحتى موعد الإفطار، أو تبدأ بعد الإفطار وتنتهي بعد أذان الفجر بساعات.
وامعاناً في التضييق على الأسرى تعطل إدارة مصلحة السجون إدخال الأغراض الخاصة برمضان كالتمور وزيت الزيتون والحاجيات التي يستخدمها الأسرى لصناعة الحلويات، وفق ما يؤكد مركز الأسرى. وفي تقرير لها حول معاناة الأسرى في الشهر الفضيل، تقول هيئة شؤون الأسرى، إن ذلك مرده أيضا إلى «الحقد العقائدي والفكري»، من قبل السجانين، الذي يترجم بالممارسات القاسية بحق الأسرى وعدم مناسبة وجبات الطعام مع حالة الصيام والسحور والإفطار.
ويؤكد أسرى محررون، أن أوقات ما قبل الأسر، وطقوس الشهر الفضيل بين تجمع العائلة والزيارات المعتادة، كانت لا تغيب عن بالهم لحظة في رمضان، وأن ذلك الأمر كان يزيد من وجعهم ومن مأساتهم التي خلقها الاحتلال بفعل سياساته المشددة ضدهم.
ويؤكد عبد الناصر فروانة، وهو أسير محرر ومسؤول وحدة التوثيق في هيئة الأسرى لـ «القدس العربي» أن سلطات السجون تتعمد التنغيص على الأسرى في رمضان، من خلال حملات تفتيش وقت الإفطار، وتمنع آخرين من زيارات الأهل، لافتا إلى أن هناك أسرى قدامى حرموا على مدار 37 عاما من حضور أجواء الشهر الفضيل بين أسرهم، ولا تزال تحرمهم من «الزيارات الخاصة» داخل السجن، والإفطار برفقة ذويهم، وهو ما يكشف «الجانب العنصري» للاحتلال. وتحدث كذلك عن تعمد الاحتلال في تقديم وصول وجبة الإفطار، التي يتناولها الأسرى باردة، وكذلك تأخير وصول وجبة السحور، مما يتسبب في صيام الأسرى في كثير من الأوقات بدون سحور.
لكن فروانة يقول إن الأسرى رغم ذلك يحاولون بقدر الإمكان، التمتع بطقوس الشهر المعروفة، فتراهم مثلا يصنعون الحلويات من «لب الخبز»، لعدم توفر المستلزمات الخاصة بذلك، ويقيمون صلاة التراويح ويتلون القرآن، في مسعى منهم لمعايشة الواقع خارج السجون.
ويقول أسرى محررون إن من بينهم من اجتهد في صناعة حلويات «القطايف» الشهيرة في رمضان، بإمكانيات السجن المتوفرة، فيما حاول آخرون إعداد بعض الأطعمة، وقد كشف النقاب قبل أيام عن لجوء إدارة السجون لحرمان الأسرى من شراء الكثير من المستلزمات من «كانتينا» السجن.
ويؤدي هؤلاء صلاة التراويح داخل غرف الاعتقال بدلا من أدائها في ساحة السجن مع جميع الأسرى المتواجدين في السجن، وكذلك على تلاوة القرآن والدعاء، خاصة دعائهم الشهير بأن يكسر قيدهم قريبا.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.