اغنياء من التعفف

قال الله عز وجل في محكم تنزيله في الآية 273 من سورة البقرة: ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَ مَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)).

و قوله: ((يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف))أي : الجاهل بأمرهم و حالهم يحسبهم أغنياء، من تعففهم في لباسهم و حالهم و مقالهم،  و في هذا المعنى الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :  “ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة و التمرتان، و اللقمة و اللقمتان، و الأكلة و الأكلتان، و لكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه، و لا يفطن له فيتصدق عليه، و لا يسأل الناس شيئا” رواه أحمد ، من حديث ابن مسعود أيضا .
و قوله:”تعرفهم بسيماهم))أي : بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، كما قال الله تعالى: ((سيماهم في وجوههم))  الفتح : 29.

 و قال: ((و لتعرفنهم في لحن القول)) محمد : 30 . و في الحديث الذي في السنن: ((اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله “، ثم قرأ: ((إن في ذلك لآيات للمتوسمين)). سورة الحجر الآية 75.
و قوله: ((لا يسألون الناس إلحافا))أي: لا يلحون في المسألة و يكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن من سأل و له ما يغنيه عن السؤال، فقد ألحف في المسألة.

نعم هذه صفات قفة رمضان و غيرها من الهبات و العطايا و الصدقات، و ما تحمله هذه الكلمة من معنى، في نفوس الذين لا يسألون إلحافا، هي كلمة صعبة و مؤلمة، هي كلمة حساسة في قلوب هؤلاء الذين لا يستطيعون سد رمق يومهم، من أيتام، و من مطلقة تعيل بيتا، و من رب أسرة لا يكفيه مرتبه الشهري، لكثير من خلق الله تراهم بابتسامة و بشاشة على محياهم، و ما يعلم بحالهم الا خالقهم، هم الذين لا يبارزن من أجل هذه القفة، هم الذين لا يريقون ماء و جوههم من أجل قفة لا تسمن و لا تغني من جوع، هم الذين لا يقيمون الدنيا و يقعدونها من أجل أن يأخذوا ما يكفيهم و أسرهم..

إن ما ينبغي أن تتفطن له هذه المؤسسات أو هذه الجمعيات، أو كل من له صلة بهذه العطايا و هذه الصدقات، في الكثير من المواسم التي تمر على الأمة الإسلامية، و تدفع رجالها الموسرين ليلتفتوا لتلبية احتياجات الأسر المعوزة، تطوعا و عن طيب نفس، فنعم ذلك و مرحبا به. أما أن يجبر المواطن المعوز على تقديم ملفا ثقيلا فيعلم به القريب و البعيد من أنه سيأخذ تلك العطايا من تلك الجهة الرسمية و التي لا تكفيه حتى لمجرد أسبوع فقط، فإن ذلك من قبيل الصدقة التي يتبعها أذى و هي مما نهى عنه الله سبحانه في قوله: (( قول معروف و مغفرة خير من صدقة يتبعها أذى و الله غني حليم )) الآية 263 من سورة البقرة.

لأن ذلك من قبيل التشهير بالمواطن المعوز، و ذلك مما يؤذي شعوره، و يجرح كرامته، و لعله كان يحسن بالدولة تكليف البلديات بإحصاء فقرائها و محتاجيها و تعيين احتياجاتهم و تزويدها بأرقام حساباتهم الجارية و عناوينهم، و تقوم بصب قيمتها المالية في حساباتهم، أو تبعث لهم حوالات مالية بقيمتها، فيكون في ذلك سترا لهم و صونا لكرامتهم.

ثم أليس الأولى بنا أن نخطط لجعل هؤلاء الناس يستغنون عن مثل هذه المنح المناسباتية المذهبة للمروءة، الخادشة للكرامة، و ذلك بأن نيسر لهم سبل العمل الذي يضمن لهم عائدا يغنيهم و يعفهم عن المسألة و الحاجة إلى الغير قريبا أو بعيدا، أليس ذلك هو حقهم علينا و واجبنا نحوهم؟…

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.