إلى كل مسلم يحلم بالتغيير.. واقع المسلمين

أصبح جليًا في زمانِنا هذا حجم الأهوال والمخاطر التي تُهدد الإسلام والمسلمين عقائديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا؛ فنرى تارةً هجومًا على الإسلام والمسلمين في صورة «الحرب على الإرهاب» فيُقتل ويُشرد الملايين من المسلمين، وتارةً في صورة «تنقية التراث الإسلامي» فنرى تطاوُل السفهاء على علماء ورموز المسلمين!، وتارةً أخرى في صورة ما يُسمى «تجديد الخطاب الديني» فنجده تبديدًا للخطاب الديني وليس تجديدًا، ونرى طمسًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة من أمور العقيدة والولاء والبراء… وغيره.
دعنا نطرح معًا تساؤلًا إيمانيًا مهمًا قبل فوات الأوان، ما الذي يشغلك أيها الأخ الكريم؟ ما الهم الذي تحمله كمسلم؟! هل هو هم الوظيفة؟ هل هو هم دنيا أولادك، أم هم دينهم؟ عندما تسير بالسيارة ماذا يدور في خاطرك؟ عندما تضع رأسك على الوسادة ماذا يجري في ذهنك؟ هل هو هم هذه الأمة المستباحة؟ هل هو هم هذه العقيدة التي تُهاجم في بلاد التوحيد؟ هل تفكر في حال أمتك ونصرة دينك؟
قال الله -تعالى-:(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين) -التوبة 24-، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:”مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ” -صححه الألباني في صحيح الترمذي-
سبب الرسالة
إن الله -تبارك وتعالى- أرسل محمدًا -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا العالم الذي كان يموج بالجهالات، والضلالات، والفتن، والبدع، والخرافات، والظلم، واستعباد البشر، والطغيان الذي بلغ ذروته عند بعثته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله الله ليقول للعالم إن هذا الدين جاء لينسخ ما قبله، وأنه للناس كافة، كما قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقال -تعالى-:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ:28].
فكانت دعوة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- دعوة تَهدِم الشركَ بكل أشكاله، فلا عبادة للأحجار والأشجار والأبقار والنار، ولا عبادة كذلك للمال والشهوات والأهواء والسلاطين وطواغيت الأرض؛ قال الله -تعالى-:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]. فجاءت الدعوة لتحرر البشر من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتخرجها من ذلِّ الوثنيات وظُلم الطواغيت، وتخلصها من أسرِ الشهوات الفاجرة، والأهواء الجائرة.
وبُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليصلح الجانب الأخلاقي لدى البشر فقال:” إن من أحبكم إلىَّ أحسنكم أخلاقًا” -رواه البخاري-.،” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” -رواه أحمد-. ولذلك تجد أن هذه الرسالة العظيمة قد اشتملت على الدعوة إلى كل خُلُق صالح كريم؛ كالصدق، والأمانة، والبرِّ، والإحسان، والكرم، وصلة الرحم، والوفاء، والإيثار، والحلم، والعدل، والتواضُع، والرحمة، والحياء.
وفي ذات الوقت نَهى النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عن كل الأخلاق الذميمة، والصفات القبيحة، وخِصال الجاهلية المَقيتة؛ مثل الظلم، الغشِّ، الخيانة، الخداع، الغدر، الكذب، البُخل، الشحِّ، الجُبنِ، الفُحش، الفُجور، التعصُّب، العُنصرية، احتقار الآخرين، التفاخر بالأنساب، احتقار المرأة، وأد البنات، وقتل الأبناء خشيةَ الفقر.
سبب حقد الكفار على الإسلام وأهله
قال -تعالى-:(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 105]
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-:” وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله -تبارك وتعالى- نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين، والاستماع من قولهم، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم، بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون.”.
وقال الله -تعالى-:(إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء:101]، قال الطبري -رحمه الله-:” عدوًّا تُعني أنهم قد أبانوا لكم عداوتهم بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم بالله وبرسوله، وترككم عبادة ما يعبدون من الأوثان والأصنام، ومخالفتكم ما هم عليه من الضلالة.”.
قال الله -تعالى-:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، قال صاحب الظلال -تقبله الله-: وهذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر، وعلى فتنة المسلمين عن دينهم بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم، وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل. إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين، ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين. إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم؛ فهو من القوة والمتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد.
إن الإسلام حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومنهج قويم، ومن نظام سليم.. إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد. ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفارًا في صورة من صور الكفر الكثيرة. ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام. وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتا.. أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا.
فيتضح لنا أن السبب الرئيسي في حقد أمم الكفر على أمة الإسلام هو هذه الدعوة الإلهية التي شرفنا الله -عز وجل- بحملها وتبليغها والدفاع عنها. فصار من آكد فروض الأعيان على كل مسلمٍ العمل على نصرة دين الله ، كل على قدر استطاعته، خاصة فى ظل هذا الركود و الميل العظيم عن أصول الإسلام وأهدافه، وهذه الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.