إغلاق قناة «نسمة» الخاصة يثير جدلا في تونس… واتهامات للشاهد باستغلال الملف لضرب

أثار قرار إغلاق إحدى القنوات الخاصة جدلا سياسيا في تونس، حيث اتهم سياسيون وإعلاميون رئيس الحكومة باستغلال أجهزة الدولة لتصفية حسابات سياسية مع «خصومه»، فيما أكدت هيئة الاتصال أن القرار يعود إلى مخالفة القناة لشروط البث، نافية وجود أي تدخل حكومي في تنفيذ قرار الإغلاق.

ونشرت قناة «نسمة» على صفحتها على موقع «فيسبوك» فيديوهات عدة توثق اقتحام قوات الأمن لمقرها في العاصمة التونسية، حيث منعت العاملين فيها من الدخول، كما حجزت عددا من الأجهزة والمعدات، قبل أن يتم قطع بث القناة بشكل كلي.

هيئة الاتصال تعتبرها «خارجة على القانون»… وصاحب المحطة اعتبرها «مظلمة تاريخية»

وجاء اقتحام القناة تنفيذا لقرار صادر عن هيئة الاتصال السمعي والبصري (الهايكا) التي سبق وأن وجهت للقناة تنبيهات عدة لتسوية وضعيتها القانونية، قبل أن تتخذ في منتصف 2018 قرارا يقضي بإيقاف إجراءات تسوية وضعيتها لـ«عدم التزامها بالقيام بالإجراءات المستوجبة قانونا. علاوة على ارتكابها العديد من الخروقات الجسيمة وإصرارها على عدم الامتثال والالتزام بالقرارات الصادرة بشأنها»، تمهيدا لإيقاف بثها.
وتسبب القرار بشجار بين عناصر الأمن والعاملين في القناة، حيث تحدثت بعض المصادر عن تعرض عدد من الصحافيين لـ«الاعتداء» من قبل قوات الأمن، فضلا عن تحطيم عدد من الأجهزة، وهو ما نفته مصادر أمنية.
ودوّن صاحب القناة، نبيل القروي، على صفحته في موقع فيسبوك «مرة أخرى، قناة نسمة تتعرض لمظلمة تاريخية، فقد تمت محاصرة القناة بعشرات سيارات الشرطة وتم «تشميع» قاعة البث وإتلاف أسلاك الصورة والصوت والإنترنيت ومنع الموظفين من الدخول إلى مقر القناة. أنا موجود خارج تونس منذ البارحة وعلمت بالخبر مثل كل الناس. قناة نسمة ستنظم ندوة صحافية حال وصولي إلى تونس وسأكون حاضرا في هذه الندوة».
كما اتهم، في تصريحات صحافية، الحكومة بالوقوف وراء قرار حجز معدات قناته وإيقاف البث، مشيرا إلى أن «الحكومة اتخذت من الهايكا ذريعة لغلق القنوات التلفزيونية غير الراضخة لحزب تحيا تونس (حزب رئيس الحكومة)».
وعقدت الهايكا ندوة صحافية أكدت من خلالها أن قرار إغلاق قناة «نسمة» تم «بعد استنفاذ كافّة القرارات والإجراءات المتعلقة بالحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة تلفزيونية خاصة، وفق الفصل 31 من مرسوم حرية الاتصال السمعي والبصري».
وينص الفصل المذكور على أنه «في حالة ممارسة نشاطات بث دون إجازة، تسلط الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري خطايا تتراوح بين عشرين ألف دينار وخمسين ألف دينار ولها أن تأذن بحجز التجهيزات التي تستعمل للقيام بتلك النشاطات».
ونفى رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري نوري اللجمي وجود أي تدخل سياسي من الحكومة أوأي طرف سياسي في تنفيذ قرار إيقاف بث قناة «نسمة» وحجز معداتها، مشيرا إلى أن «تنفيذ القرار جاء إثر ازدراء بالقانون من قبل صاحب القناة نبيل القروي (…) وتنفيذ هذا الإجراء لم يكن سهلا، ولا علاقة لتنفيذه بأي توقيت محدد، وكنا نتمنى تفادي تنفيذ هذا القرار لكننا لم نلمس أي استجابة من قبل صاحب القناة».
وتحول قرار إغلاق قناة نسمة إلى مادة للجدل السياسي، حيث أعلنت أحزاب نداء تونس والنهضة وآفاق تونس أنها ستعقد اجتماعات استثنائية لمناقشة هذا القرار وانعكاساته المحتملة على حرية التعبير في تونس.
وعبّرت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، عن تضامنها مع العاملين في قناة نسمة، وأضافت «عندما نكون في دولة تُطبق القانون حسب المساواة ووفق أمور تنظيمية فهذا لن يمثل أي مشكلة، ولكن عندما يصبح تطبيق القانون حسب سياسة المكيالين، فهذا خطير ومنطلق الانحراف بأي مسار ديمقراطي».
واعتبر مهدي جمعة، رئيس حزب «البديل» أن اقتحام قوات الأمن لقناة نسمة «صورة غير مشرفة لتونس”، داعيا إلى عدم المس بحرية الصحافيين التونسيين.
ودوّن عماد الدائمي، أمين عام حزب حراك تونس الإرادة، على موقع فيسبوك «مبدئيا، لا أحد فوق القانون ولا أحد بإمكانه الاعتراض على قرارات الهايكا لإلا بالوسائل القانونية. ولكن واضح جدا تدخّل الشاهد شخصيا للانتقام من خصومه من نفس عائلته السياسية الذين يشتركون معه في الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية التي تستهدف التحايل على الناخبين والتأثير على المسار الانتخابي».
وأضاف «ما يقوم به الشاهد اليوم مع القروي وقناته سبقته سوابق عديدة في استعمال الدولة وأمنها وهياكلها وقضائها ومؤسساتها المستقلة ضد الخصوم مثل الأحكام التي استصدرها ضد خصمه الفاضل عبد الكافي وزير المالية السابق الذي رُشّح آنذاك لخلافته، والحرب الموهومة الانتقائية ضد الفساد التي استهدفت المافيوزي جراية وجماعته، والابتزاز الذي مارسه ضد بعض نواب النداء الفاسدين ليضمهم إلى حزبه الجديد».
وكتب راشد الخياري رئيس تحرير موقع «الصدى» الإلكتروني «قرار غلق قناة نسمة صادر بتاريخ 5 أكتوبر 2018 والتنفيذ تم اليوم الخميس 25 أبريل 2019 وذلك ساعات فقط بعد إعلان نبيل القروي عن رغبته في الترشح للرئاسة (تهديد لمصالح رئيس تونس المقبل يوسف الشاهد). مشهد يعكس طبيعة صراع الحيتان الكبيرة داخل الدولة. هذا الخبر لا يُفرح كل عاقل ولا يُحزنه أيضا. وصلنا لمرحلة انعدام المشاعر مع هكذا وقائع غريبة».
وأصدرت نقابة الصحافيين التونسيين بلاغا حمّلت فيه نبيل القروي مسؤولية إغلاق قناته، بسبب عدم التزامه بالقانون. لكنها حذرت ـ في المقابل – من «اعتماد السلطة التنفيذية لسياسة الكيل بمكيالين في تعاملها مع قرارات الهايكا وذلك من خلال الحجز على معدات بث قناة نسمة وعدم تطبيق ذلك في حق مؤسسات إعلامية أخرى (…) وتشدّد على الضرورة القصوى بحماية الحقوق المهنية والاقتصادية للصحافيين والعاملين في قناة نسمة مهما كانت مآلات هذا الملف»، فيما اعتبرت نقابة رؤساء التلفزات الخاصة أن إيقاف بث قناة نسمة «خسارة للمشهد الإعلامي التونسي»، لكنها دعت كافة الأطراف إلى تغليب لغة الحوار واحترام القانون والامتثال له.
يُذكر أن قناة «نسمة» أجرت العام الماضي حوارا خاصا مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وهو ما أثار حينها جدلا كبيرا، حيث استغرب سياسيون قبول قائد السبسي بإجراء حوار مع وسيلة إعلامية مصنفة من قبل الهايكا كـ»قناة خارجة عن القانون».

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.