أعظم ابتلاء في الحياة  

المصدر موقع بصائر بقلم راجي سلطان

ليس أعظم بلاء في الحياة أن نفقد المال، فإن الله قادر على أن يعوضنا عنه في الدنيا، وأجره على الصبر عليه وافر في الآخرة.

وإن آخر الناس دخولا للجنة_ كما ورد في الأحاديث الصحاح_ له مثل عشر أمثال الدنيا. فأي مال وغنى له في الجنة بصبره على فقدهما في الدنيا!
وليس أعظم بلاء في هذه الحياة الدنيا أن نفقد الصحة، فإن الله قادر على أن يعوضنا عنها في الدنيا، وأجره على الصبر عليها وافر في الآخرة. وإن لنا في الجنة_ كما ورد_ أجسادا لا تسقم أبدا، وعافية لا تذهب أبدا، وقوة لا تفتر أبدا.
وليس أعظم بلاء في هذه الحياة أن نفقد الأحباب، فإن الله قادر على أن يعوضنا عنهم في الدنيا، ثم إنه يجمعنا بهم في الآخرة في مستقر رحماته. وما فقد الأحبة في هذه الحياة إلا كما يسافرون كلٌ في سبيله، ثم يلتقون بعد زمان، فيعودون إلى مستقرهم معا، في جنات الله.
وليس أعظم بلاء في هذه الحياة أن نفقد الأمن أو الراحة، فإن الله قادر على أن يعوضنا عنهما في الدنيا، وأجره على الصبر عليهما وافر في الآخرة. فالجنة هي دار الأمن والراحة، لا فيها تعب ولا خوف ولا هم ولا حزن ولا عداء ولا حسد، هي دار السلام كما وصفها الله في كتابه.
ليس أعظم بلاء في الحياة أن نفقد أي شىء، طالما الله موجود، يعوض عن الفقد في الدنيا، ويجازي على الصبر عليه في الآخرة.
أعظم بلاء في هذه الحياة الدنيا حقا، هو أن نفقد الله، فنفقد الإيمان به، والاتكال عليه، والرجاء فيه، والخشية منه، والحب له، والتضرع إليه.
أعظم بلاء في هذه الحياة الدنيا حقا، هو أن نفقد الله، فنفقد الإيمان به، والاتكال عليه، والرجاء فيه، والخشية منه، والحب له، والتضرع إليه
كانت هناك كلمة لأحد الدعاة المشهورين يقول فيها: إن أعظم نعم الله علينا هي وجوده.
حدثني أحد أقربائي فقال: لي زميل في العمل، أراه منذ فترة واجما، علا الشحوب وجهه، ولا يبتسم أبدا، فسألته عن حاله هذه، فأخبرني قائلاً: منذ عام ونصف تقريباً وأنا في بلاء عظيم، أصبحت أشك في وجود الله، ولا أستطيع أن أحسم الأمر لأعود إلى إيماني. أعيش في شك كبير لا ينتهي، لا أستطيع أن آكل أو أنام أو أستمتع بأي شيء في الحياة، تحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق.
لما حدثني قريبي عن زميله هذا قلت: يا الله، هذا حقاً هو أعظم بلاء في هذه الحياة، فقدان الله.
في حواراتي مع أحد أصدقائي الملحدين كنت أسأله: كيف يستطيع أن يعيش الإنسان في هذه الحياة من غير إله؟!
فكان يرد عليّ: هذه هي الحقيقة، لا يوجد إله في الحياة، والإنسان يفر من همومه وآلامه وأحزانه إلى هذه الأكذوبة، أكذوبة وجود الإله.
وكنت أقول: لو كانت هذه أكذوبة فهي أجمل أكذوبة كذبناها في هذه الحياة، ففكرة وجود الإله فكرة تطيّب خواطرنا وتخفف من آلامنا وأحزاننا، وتجعلنا أكثر رغبة في تحقيق أحلامنا مهما كانت صعبة ومستحيلة، لعلمنا أن الله قادر على تحقيقها.
وكنت أسأله: وماذا لو وجدنا بعد الموت الله حقا، وجنته وناره حقا، وحسابه حقا، كيف سيكون حالك؟
فكان يقول: لو حدث ذلك، وهو احتمال واه، فحينها سأقول له: لقد بحثت عنك بعقلي ولم أجدك، وليس من العدل أن تحاسبني على نتيجة توصلت إليها بتفكيري العقلي المجرد.
ثم يقول لي: وماذا لو متنا ولم نجد شيئا من كل ذلك؟
فكنت أقول له: لو كان الله كذبة كما تقول، والآخرة وهم وسراب، فنحن المؤمنين قد كسبنا بهذه الكذبة وبهذا الوهم والسراب كثيرا.
كسبنا تعلقا بشيء كان يخفف عنا آلامنا وأحزاننا في الحياة، وكنا ننضبط في الحياة خوفا منه ومن عقابه، فلا نظلم ولا نغدر، وننشر معاني الخير والفضل التي نظن أنه يحسنا عليها.
كنت أقول لصديقي: نحن المؤمنين بالله وآخرته فائزون على كل حال، فإن كان الله وآخرته حقا، فقد فزنا في الدنيا بوجوده ومراعاته والسير على شريعته وقوانينه التي تصلحنا، وفزنا في الآخرة بجنته ورضوانه، وإن كان الأمر كذبة، فقد كانت حياتنا مع هذه الكذبة خيرا من حياتنا لو كانت بدونها.
أما أنتم أيها الملحدون فقد فقدتم الله وأهمية وجوده في الحياة، ولو حتى في الضمير والوجدان، وفقدتم كذلك جنته ورضوانه في الآخرة، وما كسبتم أي شيء بإلحادكم، وإن كان هناك ثمة استفادة لكم من عدم التقيد بقيود الله وشريعته، فإنكم مع ذلك تتقيدون بقيود البشر وشرائعهم، حيث القوانين التي تستعبدكم على الرغم منكم، وتكون لكم بها العقوبات الرادعة إن أنتم خرجتم عنها، فلا حرية لكم إذن إن أنتم ألحدتم، وإنما تستبدلون حينها عبوديتكم للبشر وقوانينهم بعبوديتكم لله وقوانينه.
أعظم ما في الإيمان بالله واللجوء إليه ودعائه، ليس استجابة الله وتحقيقه للأماني والدعوات، ولكن أعظم ما في ذلك فكرة اللجوء نفسها، ثم التسليم بعدها لله في قضائه وقدره، والإنسان حينها يترك همه وأمره لمن يطمئن إليه، ويثق في حبه له ورحمته به، يترك الإنسان أمره كله ليد أمينة، يد الله سبحانه وتعالى، ولا يكون بعد ذلك إلى الرضا والتسليم وبرد اليقين.
أعظم ما في الإيمان بالله واللجوء إليه ودعائه، ليس استجابة الله وتحقيقه للأماني والدعوات، ولكن أعظم ما في ذلك فكرة اللجوء نفسها، ثم التسليم بعدها لله في قضائه وقدره
إن أكثر ما دعونا الله به في هذه الحياة لم يستجب فيه، وأقل ما دعوناه به هو ما استجاب فيه، إذا كان المقصود بالاستجابة هنا الاستجابة المباشرة الظاهرة.
ولكن العبرة عندنا ليست في الاستجابة، ولكنها في الدعاء نفسه، حتى وإن لم يؤد إلى استجابة ونتيجة.
كثير من المبتلين في الدنيا عاشوا وماتوا وهم يدعون الله برفع الابتلاء عنهم، فلم يرفعه الله وماتوا به، غير أن دعاءهم لله هو الذي أبقى أملهم في الخلاص، فكان هذا هو أعظم دافع على تحمل البلاء والصبر عليه والرضا به، ثم إن انتظارهم للجزاء في الآخرة كان دافعا آخر للصبر والرضا.
ولذلك تخبرنا الإحصائيات أن المؤمنين بالله هم أقل الناس انتحارا وإقداما على إنهاء حياتهم.
وكثيرا ما كنت أقول: لولا الإيمان بالله، والرجاء في ثوابه، والخوف من عقابه، لأقدم أكثر الناس على الانتحار.
ولماذا نبقى في هذه الحياة حينها، وليس فيها إلا الكد والتعب والنصب، ولا يُنتظر بعدها شيء.
لو كان لا يُنتظر بعدها شيء، لأقدمنا جميعا على التخلص منها، وإنهاء هذه التجربة القاسية في هذه الحياة الدنيا.
أقول في قصيدة لي:
لولا وجودك يا إلهي
ما وُجدت ولا بقيت
لولاك ما كان اصطباري
في لظى العيش المقيت
لولاك ما كان الأمل
لولاك ما مُدّ الأجل
ولكنت أنهيت الحياة
بطعنة اليأس المميت

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.