أدب الاختلاف وتقبل الاخر

بقلم : أيمن هشام محمود

قد يختلف بعضنا على موضوع ما، ولكن الأهم من ذلك هي طريقة المحاورة ومدى تقبل كل الطرفين لرأي الآخر، وهناك عوامل مساعدة منها المكان والزمان فليس كل وقت مناسب للمحاورة، عندما يتمسك شخص برأيه ليس معناه انه شخص جاف وعنيد وفيه نوع من الأنانية، حيث لا يتقبل رأي الآخرين، فربما يتمسك شخص برأيه ليبقى قويا أمام خصمه لكي لا ينهزم، نعم فهو يعتبر قبوله للرأي الآخر هزيمة وإتباع، وهذا بالتأكيد خطأ.

الاختلاف من الأمور الطبيعية في حياتنا، ومن البديهي جدا أن نختلف، ولكن رغم ذلك، الكثير من الناس لا يقبل الاختلاف .
هنا الخلاف الذي ينشب كثيراً بين أصحاب المجلس الواحد، أو في موقف من المواقف، أو رأي من الآراء، وتتعال الأصوات انتصارا لهذا الرأي، وبرهانا على صحة القول، والخلاف أمرا أراه طبيعيا لاختلاف المفاهيم والعقول.

ولكن الأمر غير الطبيعي أن يكون هذا الخلاف سبب لحقد في الصدور، والنفرة بين الأصحاب، وربما كان سببا للقطيعة الطويلة والهجران، أو على أقل تقدير أن يكون في النفس شيء أو تسفيها لرأيهم، ولذا كان أصحاب العقول الكبيرة لا يكترثون بهذا الخلاف.

إن أعظم شيء يفعله المرء عند الخلاف هو التنازل عن بعض الرأي، وعدم التعصب المقيت له، وكم من رأي وطريقة كنا نظنها هي الأنسب، ومع تقدم الزمان واكتساب الخبرة في الحياة تبين لنا خلاف ذلك.

إن رأي الشخص ووجهة نظره، حول أمر ما تعكس شخصية الفرد وعقليته ومستوى وعيه وثقافته، وحتى روحه ونفسيته، فعن الإمام علي رضي الله عنه، أنه قال: (اللسان ترجمان الجنان).

إن مسألة أن يكون لكل منا وجهة نظره أو رأيه في حقيقة الأمر مسألة مهمة ودقيقة جدا، ولا بد منها في كل نقاش وحوار، أما أن يكون الإنسان على الحياد دون أي رأي يذكر، فإنها حالة سلبية تماما، وتدل على ضعف شخصية الفرد، بحيث أنه لا يستطيع أن يكون لنفسه رأيا خاصا به يعبر به عما يختلج في أعماق نفسه، وما يختزن في عقله من أفكار وآراء وخبرة.

فالمشاركة في النقاش مع الآخرين وطرح الشخص رأيا معينا، هو أمر مهم وضروري جدا إذ من شأنه أن ينمي شخصية الفرد ويرتقي به إلى ما هو أفضل.

لو نظرنا في اختلافاتنا نجدها في الغالب على أمور تافه يمكننا حلها دون مشاكل، أو خلاف في أمور نحن بعيدين كل البعد عن إصدار قرار لها، سواء كان في الشأن السياسي أو الاجتماعي أو غيرها، ومع ذلك تجد أننا نختلف ونتخاصم وليس بأيدينا تطبيق لأي حل نطرحه.

أن تبادل الآراء مهم لتطور الإنسان والحياة، لكن ضمن أطر الموضوعية، وبعيدا عن الأغراض الشخصية، فمن المعيب أن ننتقد شخصا ما أو سلوكه أو عمله لأننا لا نحبه مثلا، أو لأن موقفا ما حصل بيننا وبينه، ترتب عليه أن نحقد عليه، فيأتي النقد تنفيسا وانتقاما وانتقاصا منه.

علينا نتعلم فن الاختلاف، وكيف نقبل الآخر وأفكاره وآراءه، بكل هدوء ودون موجة هستيرية عصبية، الحياة جميلة ومن الصعب أن نعيش بلا اختلاف، فوجهات النظر ستكون رائعة، لو تم إبدائها بأدب واحترام، لهذا نحن نحتاج مع فن الاختلاف تعلم فن الحوار والإقناع.

لا أعلم لماذا البعض ممن تختلف معهم بالآراء والأفكار يشعر بالإهانة، ولا يتقبل
وجود مختلفين معه، فيرتفع صوته وضغطه، وكأن العالم من حوله يجب أن يستمع وينصت لما يقول دون تردد.

لنتعلم فن الاستماع كي نتقن فن التحدث، والوصول إلى الغاية والمرتجى من الموضوع، وتذكر انه فوق كل ذي علم عليم، فلا تتصور نفسك انك على معرفة وعلى صواب، فقد تخطئ وقد تسهو وقد يكون رأيك متسرع، وربما ضعيف الحجة فلا تتمسك برأيك، إن كان خصمك لم يخالف الدين ومن ثم العادات والتقاليد.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.