آفات العلماء

بقلم أ.د. فؤاد البنا

بُخْلُ العلماء:

عندما يبخل العلماء بعلمهم ونصحهم ويَكُفّون عن توجيه الناس وتربيتهم، عند ذاك يضعف عطاء المجتمع، فيبخل الأغنياء بأموالهم والأقوياء بمعونتهم، ويَشحّ الكبراء بجاههم والعُبَّاد بوعظهم!
ولا شك أن الحصاد حينئذٍ سيكون استئثار الحكام بالسلطة وشُحّهم بالأموال التي تحتاجها مصالح الرّعيّة.

وإذا كان شح الأمراء هو الثمرة المُرّة، فإن بُخل العلماء هو البذرة الأولى في هذه السلسلة الطويلة من البُخل والمَنع، ولذلك كانت مسئولية العلماء بالغة الأثر وعظيمة الخطر.

أسبقيّةُ العلماء:

العلماء هم أئمة الأمة وقادتها، بالتشارك مع الأمراء، وهم صُنَّاع وعْيها، سواء كان وعياً أصيلاً أو دخيلاً، ولأهمية العلماء ودورهم في صناعة القوة أو الوهن، وقيادتهم للمجتمعات نحو مقامات التقوى أو منازل الانحطاط؛ فإنهم أوّل من يدخلون الجنة أو أوّل من تُسعَّر بهم النار!

أسْوءُ العلماء:

أسوءُ العلماء على الإطلاق هم الذين يَجمعون بين التشدّد مع الرّعيّة والترخّص مع الرعاة.
فهناك صنفٌ من المحسوبين على العلم، ما زالوا يتشدّدون مع المواطنين إلى حد التزمُّت، في مقابل لِينهم مع الطغاة إلى حد التفلُّت!

والغريب أن هؤلاء جمعوا بين سلوك الخوارج والمرجئة، حيث يُكفِّرون من ارتكب الكبائر من المواطنين، ويَدْعون إلى طاعة طغاةٍ نافسوا الله في ألوهيته وأقصوا شرعه من ناصية حُكمه، بل ويدْعون لهم بطول العمر!

العلم الأعور:

من أكثر العلماء ضرراً بالمسلمين وإساءةً إلى الإسلام، علماءُ البُعد الإجباري الواحد، والذين لم يعرفوا آراء المدارس الأخرى، وهي المعرفة التي تسمح لهم بإدراك مشارب العلماء ومعرفة مآخذهم على بعضهم، فتتسع مداركهم وقلوبهم لقبول الآخرين، ولا يغالون في تقدير مشائخهم وصولاً نحو التقديس، ولذلك أوجب العلماء على طلاب العلم معرفة اختلاف العلماء.

عجائب علماء السوء:

إن صنفاً من علماء العصر يعانون من انفصام عجيب، ولذلك تجدهم على سبيل المثال:

– يُحذِّرون من نُشوز المرأة على زوجها ولا يقولون شيئاً عن نشوز الحكام على شعوبهم، رغم فارق الضّرَر في الحالتين، فما يفعله ناشزٌ واحد من الحكام يتطاير ضررُه إلى الملايين من رعيته!

– يَشُنّون الغارة على قيام النساء عند موت أقربائهن بـ(اللطم والنياحة)، رغم أنهن يلطمن أنفسهن حزناً على أحبابهن، ولا يَنْبسون ببنت شفة أمام قطعان من وحوش حكام الجور والعسْف الذين لا يلطمون خدودهم وإنما يلطمون خدود شعوبهم، ويستخدمون أحدث منتجات التكنولوجيا في تعذيب ناصحيهم وتأليم معارضيهم، بما في ذلك وضع الكهرباء في أعضائهم الجنسية!!

– يُعلنونها حرباً شعواء ضد المُسْبِل إزارَه أو ثوبه وسرواله، متوعدين إياه بجهنم وبئس المصير، بينما يَدَعون الذين يُسبلون إزار تَكبّرهم وتجبّرهم على مواطنيهم، ويُسدلون ثياب الكبْت والخنْق ضد شعوبهم، غير سامحين لها بتنفس هواء الحرية وشمّ عبير الكرامة، حيث تموت الملايين اختناقاً بغاز الاستعباد والاستبداد!

غيابُ النقد:

تنمو كثير من أشواك الرذائل ونباتات الشرور، في البيئة التي لا تُشرق عليها شمس النصيحة، ولا تمتلك مناجلُ النقد وسنادينُ التقويم.
ومن المؤكد أن العلماء يتحمّلون الوِزْر الأكبر في تعطيل النصيحة وعدم تفعيل جهاز النقد!

أسئلة الصّدْمة:

إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عدَّ (الساكت عن الحق شيطان أخرس) أياً كان، فكيف إذا كان الساكت عالِماً ?!
وماذا لو أن العالِم لم يسكت فقط بل قلب الحق باطلاً والباطل حقاً ?!
وكيف سيكون العالِم الذي جعل من صوته سوطاً بيد الحاكم الظالم لجلد الضحايا ?!

الـعُـلـمـاء عـقـلُ الأمـة، فـأيُّ خـيـرٍ فـي جـسـم إن كـان الـعـقـلُ فـاسـداً ؟!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.