من شيفرة عسكرية إلى مدارس المكفوفين.. هكذا ابتكرت طريقةبرايل

صدق من قال، من رحم المعاناة يولد الأمل والإنجاز. وهذا ما يعرفه فاقدو البصر الذين تعلّموا القراءة والكتابة بفضل طريقة برايل، إذ إن مخترع طريقة القراءة هذه ابتكرها بعد إصابة أفقدته بصره صغيرا.

ورغم أن طريقته لم تنل إعجابا واسعا في حينها، فإنها علّمت مئات الآلاف القراءة والكتابة على مدار عقود مضت.

محنة لويس برايل
لويس برايل (Louis Braille)، الذي اخترع طريقة برايل لمساعدة فاقدي البصر على القراءة والكتابة لم يولد كفيفا، بل فقد بصره في حادثة تعرض لها خلال عمله في ورشة والده لتصنيع سروج الخيول.

الطفل الفرنسي الذي كان عمره 3 سنوات حينها، كان يلعب بأدوات والده محاولا إحداث ثقب في جلد أحد السروج، لكن الإبرة طارت إلى إحدى عينيه التي كان يحدق بها عن كثب.

أسعف طبيب محلي عين الطفل في بلدته الصغيرة التي تبعد 30 كيلومترا عن باريس، وحدد موعدا له مع جراح أكبر في العاصمة الفرنسية، لكن أحدا لم يستطع إنقاذ عينه، التي أصيبت بالتهاب أفقده بصره بها بعد أسابيع قليلة، ثم لحقت بها العين الأخرى عندما بلغ الخامسة، ويعتقد أن الجرح أصابه بالتهاب الرمد التعاطفي (Sympathetic ophthalmia) الذي كان سببا في إصابته بالعمى.

رغم فقد البصر، وقلة الخيارات المتاحة للمكفوفين وقتها، فإن أسرة برايل ألحقته بالمدرسة في قريتهم وتعلم من خلال الاستماع، وأثبت تفوقه حتى حصل بحلول العاشرة من عمره على منحة دراسية بالمعهد الوطني للشباب المكفوفين في باريس، وكانت أول مدرسة من نوعها في فرنسا، حيث ابتكر طريقته، التي -بالمناسبة- اقتبسها من نظام عسكري كان يستخدمه الجيش الفرنسي بالفعل.


التشفير العسكري
طريقة برايل مستوحاة من نظام التشفير العسكري لتشارلز باربييه. والأخير هو مبتكر الكتابة الليلية التي كان يستخدمها جنود الجيش الفرنسي للقراءة في الظلام أواخر القرن الـ18، وهي طريقة كانت تستخدم 12 مربعا في عمودين (رأسي وأفقي) من النقاط لتسجيل الحروف، حيث كانت تضاف النقاط البارزة على هذه المربعات لتمييز الحروف، حسب كل حرف.

الرواية التاريخية ليست واحدة هنا، ولكن هناك اتفاقا بين الروايات أن طريقة باربييه التي هدفت لمساعدة الجنود على قراءة الرسائل دون التكلم أو إضاءة الأنوار كانت معقدة، وأن باربييه زار مدرسة المكفوفين في عام 1821 حيث كان برايل يدرس.

واختلفت روايات ما إذا كان هدف باربييه من الزيارة تطوير أداته العسكرية أم استخدامها مع فئات قد تستفيد منها أكثر، وبين ما إذا كان باربييه التقى برايل شخصيا، أم أن برايل سمع عن الطريقة العسكرية من قراءة صديق له للصحيفة المحلية، لكن جميع الروايات تؤكد أن فكرة الأداة العسكرية ألهمت برايل لتطوير طريقته الخاصة للقراءة.
برايل الذي كان بعمر الـ15 حينها، قدّم نظامه للقراءة للجمهور أول مرة في عام 1824، وكان نظامه أسهل من النظام العسكري السالف، إذ كان يحتوي على 6 نقاط فقط، مصطفة في عمودين، وفيه قام بتعيين مجموعات مختلفة من النقاط لأحرف وعلامات ترقيم مختلفة لينتج 63 رمزا إجماليا.

بعد سنوات قليلة، وتحديدا في الـ19 من عمره أصبح برايل مدرسا متدربا في المعهد الوطني للشباب المكفوفين، ثم مدرسا عندما كان في الـ24 من عمره، وأمضى شطرا كبيرا من حياته في تطوير النظام الذي ظل استخدامه محدودا خلال حياته.

برايل شهد نجاحا محدودا لطريقته خلال حياته، ففي عام 1837 نشرت مدرسته -حيث عمل لاحقا- الكتاب الأول بطريقة برايل، بدعم من مدير المدرسة، ألكسندر فرانسوا رينيه بينييه، لكن بعد 3 سنوات ومع تولي مدير جديد لإدارة المدرسة حظر استخدام هذه الطريقة، وكان الجدل المثار في إطار محدود طوال حياة برايل القصيرة.

فبحلول عام 1850، أجبر مرض السل لويس برايل على التقاعد من التدريس، وبعد عامين فقط مات وهو بعمر يناهز الـ43 عاما، كما سجل موقع السير الشخصية للمشاهير بيوغرافي Biography، وذلك قبل أن تنال طريقته الشهرة والقبول العالمي المعروف حاليا.

وبعد عامين من وفاته، اعتمدت المدرسة نظامه للقراءة مرة ثانية، في حين كان الانتشار العالمي أكثر بطئا، إذ لم يتم الاعتماد العالمي لطريقة برايل للناطقين باللغة الإنجليزية حتى عام 1932، عندما التقى ممثلو مدارس المكفوفين في بريطانيا والولايات المتحدة في لندن واتفقوا على نظام يعرف باسم لغة برايل الإنجليزية القياسية، وفق موسوعة بريتانيكا (Britannica) الإنجليزية.
كتابة طريقة برايل
الخلية أو الحرف في طريقة برايل عبارة عن عمودين متقابلين، كل منهما 3 صفوف، ولكل حرف في اللغة عدة نقاط بارزة من تلك النقاط الـ6، وبمجرد وضع الكفيف يده على العمودين واستشعار مكان البروز على الورقة، يعرف الحرف المكتوب. وهذه الطريقة تنتج 63 رمزا إجماليا.

بالإضافة إلى كود برايل الأدبي، هناك أكواد أخرى تستخدم خلية برايل ولكن مع معان أخرى مخصصة لكل تكوين، فهناك نُوَت موسيقية، وهذه بدأها برايل الشغوف بالموسيقى قبل موته، وتوجد أيضا أكواد رياضية، وبطبيعة الحال تختلف طريقة كتابة الأكواد باختلاف أبجدية كل لغة.

أما بالنسبة لطريقة الكتابة، فقد كانت تتم بطريقة يدوية في البداية، عن طريق جهاز يسمى اللوح أو السجل (Slate)، يتكون من لوحين معدنيين مرتبطين ببعضهما بعضا، تدخل الأوراق بينهما، وتحتوي بعض الألواح على قاعدة خشبية أو لوحة توجيه يتم تثبيت الورق عليها، بينما يحتوي الجزء العلوي على نوافذ بحجم الخلية، تحت كل واحدة منها توجد 6 حفر صغيرة، ويتم استخدام قلم للضغط على الورق للحفر وتشكيل النقاط البارزة.
يكتب الشخص الذي يستخدم طريقة برايل من اليمين إلى اليسار باللغة الإنجليزية، وعند قلب الورقة، تتجه النقاط لأعلى وتتم قراءتها من اليسار إلى اليمين.

لكن مع الانتشار الواسع الذي نالته طريقة برايل لاحقا، اخترعت طابعات وآلات تسهل عملية طباعة كتب للمكفوفين، إذ ابتكرت آلات خاصة بها 6 مفاتيح، واحد لكل نقطة في خلية برايل.

وأول آلة كتابة بطريقة برايل اخترعها فرانك إتش هول (Frank H. Hall)، المشرف على مدرسة إلينوي للمكفوفين بالولايات المتحدة في عام 1892، ولا يزال النموذج المطور من هذه الآلة مستخدما إلى اليوم.

المصدر : مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب وصواريخ المقاومة تدك غلاف غزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل رقيب احتياط في معارك شمال قطاع غزة، وفي حين تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها ومنها إطلاق صواريخ على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، تستعد قوات الاحتلال لشن عمليات في بيت لاهيا شمالي القطاع.