نجلاء القليوبي.. سبعينية مصرية تلتحق بزوجها خلف أسوار السجن

“سيدتي.. نحن قادرون على المواجهة” عندما عنونت الكاتبة والمفكرة نجلاء القليوبي إحدى مقالاتها بهذه العبارة محفزة بنات جنسها على الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن يخطر ببالها أن لها موعدا مؤجلا مع مواجهة من نوع آخر، تفرضه عليها سلطات بلادها.
على مدى ست سنوات، أبدت الناشطة النسوية الأمينة العامة المساعدة لحزب الاستقلال، صمودا في مؤازرة زوجها المعتقل رئيس الحزب مجدي حسين، لكن سنها وصمودها لم يشفعا لها، فازدادت عليها المحنة باعتقالها هي نفسها، بعدما جاوزت السبعين من عمرها، لتكون بذلك أكبر المعتقلات السياسيات لدى النظام المصري، حسب مراقبين.

لا تنتمي الطبيبة المحجبة إلى طبقة النسويات المرضي عنها من السلطات في مصر، لذلك لم يتحدث عنها أي منهم، رغم أن مقالاتها المناصرة للمرأة لم تنقطع على مدى عقود، كما حفرت بنشاطها السياسي موقعها الحزبي بجدارة واستحقاق، حسب تقدير مراقبين، ولعله كان أحد أسباب مواجهة النظام لها.

محنة نجلاء لا تبدو محددة المدة، فما إن دخلت دوامة الحبس الاحتياطي، حتى صار السيناريو الأقرب هو بقاءها قيد الاحتجاز عامين دون محاكمة، وفقا للشائع بمصر، لكن السيناريوهات الأخرى من تجاوز مدة الحبس القانونية أو إحالتها إلى جلسات محاكمة طويلة تبقى واردة، كما الحال مع علا ابنة الشيخ يوسف القرضاوي.

في سبعينيات العمر، سيكون على نجلاء أن تواجه معاناة السجون التي شيبت شبابا وقتلت شيوخا، بدءا من منع الأدوية والعلاجات، ومرورا بمنع الزيارات، والاكتواء بلظى الحبس الانفرادي والإهمال الطبي، وتردي أماكن الاحتجاز وتكدسها، التي ما زال حقوقيون مصريون ودوليون يرصدون تزايدها في تقاريرهم.

ورغم أنها لم تكن تجربتها الوحيدة مع الاعتقال، حيث سبق أن اعتقلت خلال عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، فإن ما كشفت عنه بعد أسبوعين من الإخفاء القسري بمقر أمن الدولة يشي بصدمة لم تتجاوزها بعد، حيث أصرت على إثبات تعرضها للتحقيق معصوبة العين، دون تقدير لسنها وكونها امرأة.

سند للزوج
الأمين العام المساعد لحزب الاستقلال ضياء الصاوي يشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن السيدة نجلاء القليوبي لم تتوان خلال الأعوام الخمس الماضية، عن المطالبة بحرية زوجها وجميع المعتقلين السياسيين، لافتا إلى أنها كانت دائمة الزيارة له في مختلف السجون التي تنقل بينها.

هي في تقديره “أصدق مثال لمقولة وراء كل رجل عظيم امرأة”، حيث ظلت في مختلف المراحل منذ ارتبطت بزوجها مجدي حسين وهي تدعمه بكل وسائل الدعم، بل إن لها دورها النضالي المستقل الذي تتفرد به وبدأته منذ ريعان شبابها.

يحكي الصاوي كيف أن قوات الأمن التي نفذت أمر اعتقال السيدة نجلاء لم يأبهوا هم أيضا بسنها وضعفها، ففجر ثلاثاء الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، دهموا منزلها واقتادوها معصوبة العينين، لتمر كغيرها بمرحلة إخفاء قسري استمرت قرابة نصف شهر قبل ظهورها بنيابة أمن الدولة.

ويبدي القيادي بحزب الاستقلال استغرابه من إحدى التهم الموجهة لأمينة المرأة في الحزب، حيث أصرت النيابة على توجيه تهمة الانضمام لتيار الاستقلال، رغم كون الحزب معترف به من لجنة شؤون الأحزاب ويمارس عمله بشكل علني وقانوني، معتبرا ذلك رسالة من النظام بأنه لا مجال لأي عمل معارض خلال هذه المرحلة.

مسؤولة الملف المصري في منظمة هيومن رايتس مونيتور سلمى أشرف، رأت في حالة نجلاء القليوبي ما يظهر “همجية النظام المصري” وانتهاكه كافة الحقوق والحريات، التي يصر فيها على منهجيته في تجاوز كل القيم والأعراف، وعدم التقدير لأي اعتبارات متعلقة بطبيعة وأحوال خصومه السياسيين.

تخبط وعشوائية
ولفتت في سياق حديثها للجزيرة نت، إلى أن العشوائية التي تتحرك بها أجهزة النظام الأمنية، هي ما جعلتها تعتقل سيدة سبعينية، حينما لم تراجع أوراقها، وغاب عنها اعتقالها لرئيس حزب الاستقلال حسين مجدي في 2014، فلم تشأ أن تعود خالية الوفاض حينما لم تجده في منزله.

وأوضحت أنه من خلال متابعتها الحقوقية لاعتقال السيدة نجلاء، تبين لها أن النظام لم يراع سنها ولا طبيعة وضعها الصحي، واعتقلها دون أدلة أو سند قانوني يسمح له بهذا الفعل، وما زال مستمرا في اعتقالها رغم كل شيء.

وفي هذا السياق، أشارت إلى أن نجلاء ليست المسنة الوحيدة القابعة في سجون النظام المصري، حيث يوجد عدد منهن، سواء من المحبوسات على ذمة قضايا سياسية، كالمحامية هدى عبد المنعم وعلا القرضاوي، وجميعهن محرومات من أبسط حقوقهن من رعاية صحية ونفسية، ويتعرضن للقتل البطيء المتعمد.

بينما يرى مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف أن اعتقال نجلاء القليوبي يأتي في سياق ما يعتمده النظام المصري من اعتقال عائلات دون تقدير لأي ظروف، حتى بات الأمر متكررا، وأصبحت السجون المصرية تحتضن الكثير من العائلات بجميع أفرادها.

هذه السياسة المتبعة من قبل النظام تأتي، حسب عبد المنصف، في إطار الانتقام السياسي، الذي لا تفرق فيه السلطات في المعاملة بين رجل وامرأة أو كبير وصغير، فمختلف الشرائح تشملها دائرة هذا الانتقام، في ظل غياب كامل لمبدأ المحاسبة والمساءلة للأجهزة الأمنية فيما تمارسه من قمع وانتهاكات.

ويذهب عبد المنصف إلى اعتبار تلك المعطيات ووضعها في الحسبان من قبل النظام المصري لا يتأتى إلا من خلال ضغط خارجي يمارسه المجتمع الدولي إن تراءى له ذلك، وهو ما يندر حصوله، مؤكدا أن مراعاة السن غائبة تماما عن عقلية النظام وأجهزته الأمنية في إطار المعادلة الصفرية التي ينتهجها.

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.