«كابوس التعذيب في مصر»: تقرير يكشف جرائم أجهزة الأمن ضد المعتقلين بشكل ممنهج

أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أمس الأربعاء، تقريرا بعنوان «كابوس التعذيب في مصر: عقبات قانونية وقضائية تحول دون إنصاف ضحايا التعذيب»، قدمت فيه تحليلا ومتابعة للإشكاليات والعوائق التي تواجه ضحايا جرائم التعذيب في التماس سبل الإنصاف المختلفة والوصول إلى العدالة.

ويرصد التقرير استمرار جرائم التعذيب في أماكن الاحتجاز بشكل ممنهج، من خلال توثيق حالات على مدار سنتين، في إطار مبادرة «خريطة التعذيب» التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، بالإضافة إلى الاستعانة ببيانات إحصائية أصدرها عدد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية حول حالات التعذيب في العامين الأخيرين، وعجز التشريعات القانونية عن حماية الضحايا أو إنصافهم في حالات التقاضي.

أبرزها الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من اليدين والحرمان من الطعام والنوم والتهديد بالاغتصاب

ورصدت «خريطة التعذيب» تنوع وسائله التي تستخدم بشكل أساسي في مقرات الأمن الوطني، وفي أقسام الشرطة والسجون وغيرها من مقرات الاحتجاز، ما بين التعذيب الجسدي بشكل مباشر مثل الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من اليدين أو القدمين، أو بشكل غير مباشر مثل الحرمان من تناول الطعام أو من النوم أو من الزيارة أو الحبس الانفرادي لفترات طويلة، أو التهديد بخطف وتعذيب أفراد أسرة الضحية. وفي بعض الحالات كان هناك تهديد بالاغتصاب وخاصة مع النساء، أو التحرش الجسدي أو الإجبار على مشاهدة ضحية تعذيب أخرى، أو الاستماع لصوت صراخ الضحايا أثناء التعذيب. كل هذا تنتج عنه آلام جسدية ونفسية عميقة الآثر لا يتخلص منها الضحية حتى بعد الإفراج عنه، فيظل الضحايا في ألم جسدي ونفسي عميق يمنعهم من العودة إلى مزاولة الحياة الطبيعية.
ويكشف التقرير أنه من بين 80 حالة تعذيب وثقتها مبادرة «خريطة التعذيب»، هناك حالة واحدة فقط استعانت بالقضاء. واعتمد التقرير في منهجيته لتحديد إشكاليات التقاضي على المقابلات المعمقة كأداة من أدوات البحث، حيث تم إجراء مقابلات فردية مع محامين يعملون مع ضحايا تعذيب، ليصل التقرير إلى وجود عوائق تواجه الضحية لإثبات جريمة التعذيب، بداية من ممارسات الشرطة كتأخير عرض الضحايا على النيابة أو على الطب الشرعي لحين زوال آثار التعذيب، مرورًا بدور النيابة في التحقق من جريمة التعذيب وتقديم مرتكبيها للعدالة. وأخيرًا تناول التقرير العقبات الناتجة عن الثغرات القانونية في المواد الخاصة بالتعذيب في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية.
ويلقي التقرير الضوء على مسألة تعامل الدولة مع جرائم التعذيب في جزأين، الأول: موقف الدولة من تطوير ومعالجة الثغرات القانونية في التشريعات ذات الصلة بجرائم التعذيب، حيث يشير التقرير إلى أنه وبالرغم من تلقي الحكومة المصرية العديد من التوصيات خلال الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (UPR) في عام 2014، توصي بتعديل التشريعات الوطنية المتعلقة بجرائم التعذيب وخاصة تعريف التعذيب في القانون المصري لتتواءم مع التشريعات الدولية، إلا أن مصر لم تتخذ أي خطوات على المستوى التشريعي، كما لم تستجب للمقترحات بشأن تعديل الإطار القانوني ذات الصلة بجرائم التعذيب.
ويعتمد التقرير في ذلك على دراسة «مسودة مشروع قانون لمكافحة التعذيب» الذي تم إعداده من قبل خبراء قانونيين وقضاة، وقدم للرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015، وجاءت بنود القانون لتعالج الثغرات والعوار القانوني الحالي لقانون العقوبات، على ضوء الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولم تكتف الحكومة بعدم الاستجابة، بل كانت ردة الفعل الأولى هي إحالة القضاة للتأديب، ووجهت تهم ممارسة نشاط غير مشروع وتكدير السلم والأمن العام على إثر تقديم المسودة البديلة، الأمر الذي يعكس غياب الإرادة السياسية للدولة في منع ومكافحة جرائم التعذيب.
ويواصل التقرير، في الجزء الثاني، رصد تعامل القضاء والنيابات مع شكاوى ودعاوى التعذيب من خلال تحليل عدد من الحالات، إذ يشير إلى وجود نمط من الأحكام المخففة في قضايا التعذيب، بسبب قصور المواد القانونية، فيجري استخدام مصطلح «ضرب أفضى إلى موت» أو «استعمال القسوة» لتخفيف العقوبة في حالات التعذيب المفضية إلى موت، مثل حالة محمد عبد الحكيم الشهير بـ «عفروتّو». كما يشير التقرير إلى قبول المحكمة للاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، كما في حالة قضية النائب العام، والتي على إثرها أعدم 9 متهمين العام الجاري.
وانتهى التقرير إلى العديد من التوصيات، من بينها مراجعة شاملة للتشريعات المصرية ذات الصلة بالتعذيب، كما طالب بالالتزام بالمعاهدات الدولية كمرجعية في التعامل مع جرائم التعذيب، بما في ذلك في حالة الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب. كما طالب بتفعيل دور النيابة العامة في الكشف عن جرائم التعذيب وتقديم مرتكبيها للعدالة. كذلك أوصى بتفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في متابعة حالة المحتجزين والتعاون مع الآليات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بأوضاع المحتجزين. وشدد على ضرورة أن تفي الحكومة المصرية بالتزاماتها الدولية بشأن حظر ومناهضة جريمة التعذيب، وعلى مسؤولية الحكومة المصرية في وضع السياسات والأطر التشريعية لمكافحة تفشي ظاهرة التعذيب. وطالب السلطات المصرية بالتصديق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.