السينما و اعادة التاريخ

فى هذا العالم توجد دول عندها حضارة عريقة و تاريخ ضخم يمتد لآلاف السنين، و توجد أيضا دول حديثة النشأة، إلا انها لا تملك حضارة قوية و تاريخ عريق و من اهمها “الولايات المتحدة الامريكية” او إختصارا “و.م.أ” وهي تعتبر دولة حديثة النشأة مقارنة مع دول مثل مصر، العراق، إنجلترا، الصين، اليابان، الهند، تركيا… و نقص التاريخ هو عقدة لأي دولة، خاصة الدول التي اعتمدت على إبادة جماعية للسكان الأصليين لها و اعتمدت على استقطاب سكان جدد تماما كما هو الحال بالنسبة ل “و.م.أ”و في الأثناء حاولت هذه الدول تجاوز هدا النقص و و تتغلب عليه و تتجاوزه عن طريق الصناعة السينمائية، التي صنعت لها تاريخ و حضارة و أبطال وهميين و رسمت في مخيلة جزء كبير من سكان العالم صورة مثالية، على أن أمريكا دائما هي المنقذ العالم ، و أنها دائما هي “الخير” و كل حلفائها “أخيار”، و العكس صحيح.

حيث أن أهداف “هوليوود” بالأساس هي تمجيد “و.م.أ” أمام الإتحاد السوفياتي خلال فترة الحرب الباردة من خلال الأفلام و أيضا محاولة طمس تاريخ السكان الأصليين و بما أن “و.م.أ” لا تملك تاريخ و إنجازات على أرض الواقع من غير الحرب العالمية ،فقد اعتمدت على القصص الخيالية و صناعة الأبطال الخارقين و بالتالي فهذه الأفلام لا تعتبر أعمال فنية، و لكنها بالأساس بصمة لتلك الدول الناشئة و الهدف الأساسي هو الترويج للسياسية الأمريكية كالحرب الباردة التي تحدثت عنها في الأفلام والتي أخرجت الإتحاد السوفياتي انه خليفة الشر من بعد ألمانيا النازية، و أنه نظام قمعي، مهدد للأمن العالمي… وأيضا الحرب في أفغانستان التي صورت حركات الجهاد الإسلامية التي كانت تحارب الاتحاد السوفيتي على أنهم أبطال، و مدافعين على وطنهم ، و أن أي شخص مسلم يجاهد و يعادي الاتحاد السوفياتي فهو بطل…
لكن انقلبت عليهم الولايات المتحدة الأمريكيةبعد تحقيق أهدافها و أصبحت حركة طالبان التي كانت في البداية ضد الاتحاد السوفياتي( معظم المقاتلين طالبان هم نفسهم لي كانو أبطال فالحرب ضد الاتحاد السوفياتي) أصبحت منظمة إرهابية تهدد الاستقرار العالمي، و أصبح فأي فيلم، أي جندي شارك فحرب ضد أفغانستان هو بطل وطني و شهيد…
و نفس السيناريو وقع فى العراق
و برز في الأفلام التي تحدثت عن الحرب و التي أخرجت المحاربون ضد الشعب العراقي أبطال و أنه كان يوجد أشخاص عراقيين ساعدوهم فى الحرب ضد “الإرهابيين”، و وصوروا للجميع الدعم للقوات الأمريكية على أنهم أبطال و غالبا هذه الفئة من الشعب هم المسلمين، ومن أهداف هذه الأفلام ( سواء فالحرب الافغانية او العراقية )إخراج صورةجميلة عن الجنود الأمريكيين بانهم يحترمون خصوصيات السكان، فمثلا اذا تواجد إرهابي او فر و دخل إلى قرية فيها النساء، فالجنود الأمريكان من الذكور لايتبعون اثره لأنه في أفغانستان لايسمح للمرأة أن تكشف أمام شخص غريب، لذلك يتم ارسال جنود إناث، و تكون معهم مرشدة من نفس الدولة و ترتدي الحجاب تقوم بدور المترجمة.

و بهذه الطريقة يحاولون إخراج الشعوب المحتلة من طرفهم تقف مع المحتل الأجنبي و هو عمل بطولي، و أنه من الشجاعة أن تبلغ على أبناء الوطن للقوات المحتلة، بكل بساطة لأنها هي الخير و الآخرون إرهابيين مع العلم أنه في أفغانستان و العراق كانت حركات المقاومة ضد الإحتلال و ضد الجماعات الارهابية، تصورها هده الأفلام الأمريكية جماعات إرهابية.

لكن في المقابل لا يوجد فيلم حقيقي لا يتكلم على الإنتهاكات و قوات التحالف في العراق و أفغانستان، و فضيحة سجن أبو غريب هي جزء صغير من القصة الكاملة، لا تسمع عنها في الأفلام.
و بالتالي هذه السياسة هي سياسة تلميع صورة أمريكا و شيطنة باقي المنافسين، كا يتم استعمالها ايضا داخليا، مثلا في الافلام و إلى وقت قريب، كان السود والآسيويين( الأمريكيين ) دائما مجرمين، و البطل هو شخص ذو بشرة بيضاء، و أي شخص من السود او الآسيويين كان التعامل معاه كمساعد للبطل، و هو شخص جيد و إن كان ضد بني جلدته.

ففي السنوات القادمة، سنرى في الأفلام أن أمريكا تحارب الدولة الشريرة الجديدة “الصين” التي تحاول تتجسس على العالم، و التي تضيق على الحريات، مثلما تم تسليط الضوء على “تشرنوبل” و إظهار أن الإتحاد السوفياتي فاشل، مع العلم أنه في نفس الحقبة وقع إنفجار فمفاعل نووي في أمريكا لكن لم يتحدث عنه في اي فيلم و بنفس الطريقة سيتم تسليط الضوء على الصين و جائحة كوفيد 19، و وسنرى قصص هده الأفلام هي الرواية الرسمية للاجيال القادمة.
فصناعة الأفلام لا تقتصر على الترويج لأمريكا او بريطانيا عبر الابطال الخارقين لكن أيضا تقوم بنشر ايديولوجية معينة، و تمرير أفكار و قناعات للمتلقي، كما يتم الإعتماد على خداع العقل البشري من خلال الإمكانيات البصرية الهائلة. بالاضافة للمثلين الذين لهم شخصيات مقربة من المشاهد.
فهده المسلسلات و الأفلام لها تأثير قوي لدرجة كبيرة يكفي أنك ترى مثلا في الدول العربية تأثرات بالثقافة المصرية و الهندية و السورية فالثمانينات، و بالثقافة التركية فالسنوات العشر الاخيرة و التي جعلت من تركيا القبلة السياحية الأولى للعرب.
و توجد أيضا أنظمة عربية مثل مصر، و والتي على إمتداد الزمن، من فترة جمال عبد الناصر، كان يروج للحاكم، و الجيش، و يصور الإخوان المسلمين على أنهم دائما إما إرهابيين، او مكبوتين، او تجار فاسدين، و هذه السياسة لها دور كبير في إستقرار الحكم العسكري.

ففي الماضي كانت “هوليوود” هي مركز الصناعة العالمي و الواجة الأولى البروباغاندا الناعمة. لكن اليوم أصبح لدينا لاعب أساسيلي هو شبكة “نت فليكس”. هده الشبكة دخلت لحياة ملايين الأشخاص في العالم، بمحتوى لغات مختلفة من أجل الوصول لاكبر عدد من المشاهدين.
فالسنوات الاخيرة، الجميع لاحظ أن شبكة نتفلكس الخاصة بالمسلسلات و الأفلام، تطرح المثلية الجنسية بطريقة واضحة و في قالب البطولة، و تحرص على المزج بين الشجاعة و الخير و الانسانية و المثلية الجنسية. بحيث أنك أنت كمشاهد، تتقبل فكرة أن البطل مثلي جنسي، فقط لأنه بطل، و طيب، و شجاع، و أنت متعاطف معاه. و لا شعوريا و تصبح متعاطف مع المثليين و تقبل وجدوهم في حياتنا . و مع مرور الوقت، يصبح تقبل المشاهد الجنسية فقالب المثلية، و تصبح هده المشاهد عادية لدى المتقبل و هنا العقل يصبح مهم لدى المتقبل.

فهده شبكة نتفلكس تجاوزات كل الحدود، و أصبحت غير خاضعة لرقابة الدول بحكم تقنية VPN التي تسمح لاي شخص بتجاوز الحظر المفروض من طرف الدولة التي ينتمي اليها على شبكة نتفلكس، و يشاهد المحتوى بدون اي مشكل.
مؤخرا شهدنا جدالو أشكال بين تركيا و شركة نتفليكس بخصوص عرض محتوى ترويجي للمثلية الجنسية. و هنا الشركة هددت تركيا بحذف جميع الأفلام و المسلسلات التركية من المنصة، فقامت تركيا بحجب المنصة نهائيا، و روسيا أيضا منعت شبكة نتفليكس من الترويج للمثلية الجنسية، لأن هذا هو التوجه معارض للنظام الروسي الذي يجرم المثلية الجنسية.
للأسف بالنسبة للدول العربية و الإسلامية و الأمازيغية فهي لا تريد الرقابة على هذا المحتوى، لأن هده الدول تحمي هده الحرية مع العلم أنه في الدول الأوروبية يوجد رقابة على المحتوى نتفليكس و مؤخرا تم سحب احد الافلام، الذي يصنف كفيلم إباحي 100%, اما بالنسبة لنتفليكس فقد روج على أنه فيلم رومانسي. و للأسف هذا الفيلم كان مصنف ثالث فيلم أكثر مشاهدة في بعض الدول العربية، و حتى تم السحب
من النسخة الأوروبية من بعد عدة إنتقادات للمحتوى الإباحي لديهم.

نتفليكس لا يشجعش فقط المثلية، لكن أيضا يزور التاريخ، مثلما ماشاهدناه في أفلام الحرب الباردة و الحرب العالمية الثانية، و الأفلام التاريخية مثل “فايكينغ” و ” ماغول” ، و يمكن أن نرى شخص من دولة مسلمة و هو مسلم يشاهد في سلسلة “فايكينغ” او “الماغول” و يراهم أبطال و يفرح بطريقة التمثيل، و مغرم بهم، و يمكن بسبب قلة الوعي أن ينسى مثلا أن الماغول كانو من أكبر مجرمي الحروب فالتاريخ البشري بشهادة المؤرخين من دول العالم. و من بين الدول التي تم اجتياحها من قبلهم هي دول إسلامية، حيث تمت فيها إبادة آلاف السكان بطرق بشعة و في النهاية تم التغلب عليهم من بعد من طرف المسلمين، من بعد سقوط عاصمة الدولة العباسية “بغداد. لكن نتفليكس لا تتحدث على هده الحقائق نهائيا

للاسف التاريخ العربي و الاسلامي و الأمازيغي مليئ بالابطال الحقيقين وليس الخياليين، و مليئ بالبطولات و مواقف إنسانية مثبتة في التاريخ. و فترات الإستعمار لدى الدول حافلة بإنجازات و بطولات المقاومة. لكن لايجود احد لا يركز عليهم، و هدا الشيئ فيه طمس الحضارة و تغييب للحقائق لدي فترة الاستثمارات. مثلما تم تزوير حرب الفيتنام و تحويلها من هزيمة مدوية إلى إنتصارات و بطولات الأمريكيين.

الخلاصة: اذا لم يعرف أبناء شعبكم بالابطال الحقيقيين، فكون على يقين أن السينما قادرة على تعريفهم بأبطال وهميين، و يصيرون قدوة.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".