اعملوا للجنة انت و الشلة

الشيخ كمال خطيب حفظه الله

أهمّ المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها أبناؤنا هي الصحبة التي سيتخذها الابن عند بلوغه جيل المراهقة. هؤلاء الذين سيصبحون أهم البطانة وهم الشلّة وهم كنز الأسرار وهم البوصلة لهذا الإبن، ولعلهم سيكونون هم أصحاب التأثير الأول على الإبن، بينما يصبح دور الوالدين هو الثاني إن بقيَ لهم دور وتأثير. والشلّة هي كلمة فصحى وتعني الرهط أو مجموعة الأشخاص الذين لهم ميول وهوايات متشابهة وجمعها شِلل وشلّات مع أنه غلب استخدامها بالمعنى السلبي في وصف مجموعة أصدقاء.
لأجل ذلك كانت وصية النبيّ صلى الله عليه وسلم بالقول: ” الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”. فالصديق المخلص هو الذي تمضي إليه وتجالسه حين تبحث عن الراحة، وهو الذي تنفث إليه همومك وأحزانك عند الحاجة.
لستَ مطالب بالبحث عن هذا الصديق، بل إنك مطالب إذا وجدته أن تحافظ عليه لأنه مثل العملة النادرة في هذا الزمان، فإذا ضيّعته فقد لا تجد مثله. قال في ذلك عبد الله بن جعفر: “عليك بصحبة مَن إذا صحبته زانك، وإن غبت عنه صانك، وإن احتجت إليه أعانك، وإن رأى منك خُلّة -عيب صغير- سدّها وأصلحها”. نعم إن الصاحب والصديق الصادق هو من يغض الطرف عن زلّات صديقه ولا يعاقبه في كل شاردة وواردة، وقد قيل: ” إذا أردت صديقًا بلا عيب أصبحت بلا أصدقاء”، وفي هذا قال الشاعر:
إذا ما بدت من صاحب لك زلّة
فكن أنت محتالًا لزلته عذرًا

إن العبرة ليست بكثرة الأصحاب وإنما بمقدار صدقهم وإخلاصهم ونفعهم لك وليس انتفاعهم منك، وفي هذا كانت الكلمات الذهبية من سيدنا علي بن أبي طالب لمّا قال:
اختر لنفسك في مقامك صاحبًا
فإذا أصبحت عرفت من ذا تصحب ولا خير في وُدّ امرء متملق
حلو اللسان وقلبه يتلهب
يعطيك من طرف الكلام حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب يلقى ويحلف أنه لك ناصح
وإذا تولى عنك فهو العقرب

إن من أعظم ما يجب أن يحرص الإنسان في صحبته أو صحبة أبنائه هو الدين والإيمان والتقوى ومحاسن الأخلاق، وقد أوصى بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا قال: “لا تصاحب إلّا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلّا تقي”. فالصاحب المؤمن هو من يرشدك إذا ضللت، ويعلمك إذا جهلت، ويفتقدك إذا غبت، ويذكّرك بالله إذا غفلت، وإذا أظلمت الدنيا يومًا في وجهك فإليه بعد الله لجأت.
إن صحبة الصالحين والمؤمنين هي ضمان السير في درب الطاعة وضمان الحفاظ على بوصلة الخير وزيادة الإيمان كما قال أحد الصالحين: “من جلس مع الأغنياء زاد في حب الدنيا والرغبة فيها، ومن جلس مع الفقراء زاد في الشكر والرضا بما قسمه الله له، ومن جلس مع السلطان زاد في الكبر وقسوة القلب، ومن جلس مع الصبيان زاد في اللهو والمزاح، ومن جلس مع الفسّاق زاد في الجرأة على الذنوب والمعاصي، ومن جلس مع الصالحين زاد في الرغبة من الطاعات، ومن جلس مع العلماء زاد في العلم والورع، وصدق من قال ” الصاحب ساحب”.
ولقد قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} آية 73 سورة الزمر، فقال “يأبى الله أن يدخل الناس الجنّة فرادى، فكل صحبة يدخلون الجنة سويًا”، لا بل إن الصداقة الصدوقة والمخلصة هي التي تتنامى بين المؤمنين إذا قامت وكانت أركانها وأساساتها طاعة الله تعالى، فإذا كانت كذلك في الدنيا فإنها ستكون من أسباب السعادة يوم القيامة في الجنة كما قال الله سبحانه {إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} آية 47 سورة الحجر. فابحث عن زمرة الخير وصحبة الخير وشلّة الخير تسعد بها في دنياك وآخرتك، وإلا فإن كانت زمرة السوء وصحبة المعاصي وشلّه الحرام فإنها خسارة الدنيا وعداوة الآخرة كما قال الله سبحانه {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} آية 67 سورة الزخرف. فإذا كنت محبًا صادقًا لأصدقائك وشلّتك فلا تتركهم للشيطان والهوى، وإنما خذ بأيديهم وانصحهم وذكّرهم، وإلى المسجد والطاعات تعال بهم، فإذا كنت تحب مجالستهم في الدنيا فاعمل على أن تظل هذه المجالس في الجنة قريبًا من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وإلّا فأنتم لستم أصدقاء أوفياء ولا مخلصين لبعضكم.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.