فضيحة القرن.. 50 مقالا تختزل مسيرة ماركيز الصحفية

“لا أريد أن أُذكَر بمئة عام من العزلة ولا بجائزة نوبل، لكن أحب أن أُعرَف بالصحافة”، هكذا وصف الأديب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل في الأدب غارسيا ماركيز علاقته بالعمل الصحفي.
وكانت القصص الصحفية التي كتبها ماركيز بمثابة أسطورة في غرف الأخبار وبين المحررين الكبار الذين عملوا معه وأشادوا بموهبته الصحفية، ليشكل بذلك نموذج إلهام لكل صحفي كولومبي شاب يطمح لإبراز قدرته على تحويل الحدث الإخباري إلى شيء إنساني يتجاوز الصحافة.

ورغم الشهرة الدولية التي حصل عليها من أعماله الأدبية وحصوله على جائزة نوبل، ظل غارسيا ماركيز ملتزما بممارسة الصحافة بسبب نفاد صبره تجاه ما اعتبره “العادات البطيئة للصحفيين الأميركيين اللاتينيين”، وقلقه من تاريخ القارة المضطرب ورغبته في التأثير على النقاش السياسي.

وجعل ماركيز أسلوبه -وهو مزيج غريب وفريد من نوعه بين الحقيقة والخيال- أحد أعلام مدرسة الواقعية السحرية، ذلك النوع الأدبي الذي يبدو فيه متأثرا بخلفيته الصحفية، “مهنته الحقيقية” كما كان يقول.

وتمزج تقنية هذه المدرسة الروائية بين عناصر فانتازية وسحرية من جهة، وبين الشخصيات البشرية من جهة أخرى، وذلك بغرض التعبير عن الأحداث الواقعية بطريقة تذهل القارئ وتربك حواسه وتجعله لا يستطيع التمييز بين الحقيقي والخيالي.

العبقري
ورفض ماركيز في حياته وصفه بالعبقري ذي الخيال الهائل، معتبرا أنه مجرد حرفي أدبي، وقال “إن الكتابة شيء صعب تقريبا مثل صنع طاولة، يحتاج القليل من السحر والكثير من العمل الشاق”.

وجاء الدليل على أن ماركيز بقي صحفيا عندما نشر كتابه “أخبار الاختطاف” عام 1996، ويُعد الكتاب سردا مثيرا للكيفية التي اختطف بها أمير المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار مجموعة من الشخصيات المعروفة، في محاولة لابتزاز الحكومة لإيقاف تسليمه إلى الولايات المتحدة.

ورغم شهرته كروائي عالمي، أوضح ماركيز أن ما دفعه لكتابة عمل غير خيالي عن عصابات الجريمة القوية في كولومبيا بطريقة تختلف كثيرا عن رواياته المليئة بالخيال، هو شعوره بالغضب بسبب عجز الصحفيين الكولومبيين عن البحث في قصة ظل يعتقد أنها تستحق أن تُروى.

ماركيز ذلك الصحفي الذي عشقته الرواية (الجزيرة)
ماركيز ذلك الصحفي الذي عشقته الرواية (الجزيرة)
فضيحة القرن
تتركز معظم كتابات ماركيز الصحفية -مثل معظم رواياته- على مسقط رأسه كولومبيا، غير أن العديد من موضوعات كتاب فضيحة القرن كانت عبارة عن مقالات وتأملات ذكية حول الحلاقين والسفر الجوي والترجمة والأدب.

ويتألف كتاب “فضيحة القرن” من خمسين مقالا نُشرت في الفترة التي عمل فيها صحفيا بدوام كامل بين عامي 1950 و1984، وهو أحد كتابين جديدين يتناولان أعمال غارسيا ماركيز الصحفية وحياته.

وتفيد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بأن المقالات والأعمدة التي جرى تجميعها في الكتاب تظهر أن صوته الساخر بدا حاضرا منذ البداية في كتاباته.

وقال ماركيز إنه كتب الموضوعات الصحفية بنفس الضمير والبهجة والإلهام الذي يكتب به تحفة فنية أو عملا أدبيا، وإنه كان في موضوعاته الصحفية مراقبا للعالم وغطى مواضيع متعددة حوله.

وأضاف أنه تناول موضوعات شخصية في موضوعاته الصحفية، مثل كراهيته للطيران وخوفه من السفر الجوي وتدخينه بشراهة، وقد قال عن ذلك “أفضل الكتاب هم الذين يميلون إلى الكتابة بشكل أقل ويدخنون أكثر!”.

البداية
بدأ الكاتب ماركيز -الحائز على جائزة نوبل عام 1982- حياته مراسلا صحفيا في الصحف المحلية الصادرة في مسقط رأسه كولومبيا، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الإسبكتادور الصادرة في العاصمة بوغوتا.

ويغطي الكتاب الذي صدر بعد وفاته مجموعة واسعة من الموضوعات من بودابست بعد الغزو السوفياتي والدعارة في باريس، كما أن العديد من المقالات تركز أيضا على بلده الأصلي.

وتولى ماركيز بعد صحيفة الإسبكتادور إدارة مجلة غرافيكا الصادرة في فنزويلا، والتحق مع انطلاق الثورة الكوبية -التي كان من المعجبين بها- بوكالة برنسا لاتينا في هافانا، وانتقل بعدها إلى المكسيك حيث خاض تجارب إعلامية، قبل أن ينكبَّ على كتابة روايته الأشهر “مئة عام من العزلة”.

ويشتمل الكتاب على مقالات ظهرت لأول مرة في صحف مثل إسبكتادور الكولومبية وإلبايس الإسبانية، ويعد بمثابة شهادة على مهنية صاحبه الصحفية التي ألهمته لاحقا تأسيس مؤسسة الصحافة الجديدة 1995، التي تعمل على تعزيز عمل الصحفيين من خلال المنح والجوائز والمشاريع البحثية التعاونية.

وأسس ماركيز عام 1994 مؤسسة غابرييل غارسيا ماركيز للصحافة الأيبيرية الأميركية الجديدة المعروفة باسم مؤسسة “غابو”، والتي ما زالت نشطة ومزدهرة.

وقال ماركيز عن نفسه “أنا صحفي في الأساس.. طوال حياتي كنت صحفيا وكتبي هي كتب الصحفي حتى لو لم يكن ذلك ملحوظا”.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".