علاج أم إسكات للقاضي المعزول؟.. العكرمي في مستشفى الأمراض العقلية بتونس

يبدو أن منعطفات جديدة وصلت إليها حملة الاعتقالات التي شهدتها تونس خلال الفترة الماضية، حيث يسود قلق شديد بشأن الوضع الصحي للقاضي المعزول بشير العكرمي الذي اعتقل على خلفية تحقيقات تتعلق بأمن الدولة، قبل إدخاله مستشفى للأمراض العقلية.

لم تعلن السلطات أسباب اعتقال وكيل الجمهورية السابق في المحكمة الابتدائية بشير العكرمي ثم إدخاله مستشفى الرازي للأمراض العقلية بالعاصمة، وسط تمليحات إلى أنه يدعي الانهيار العصبي للهروب من المحاسبة، فيما حذرت أصوات حقوقية من محاولة تصفيته.

وسارعت جهات حقوقية إلى التحذير من خطر الترويج المتكرر في منصات التواصل لمحاولة انتحار العكرمي، ومنعه من أي زيارة، كما طلبت من السلطات القضائية التحقيق، معتبرة أن ترويج محاولة انتحاره “يشير إلى الرغبة في إسكاته وتصفيته”، حسب تعبيرها.

وقالت هيئة الدفاع إن هناك مخاوف على حياة العكرمي أمام ما يتعرض له من استهداف ممنهج وتشويه منذ سنوات عدة بلغ مداه في الفترة الأخيرة من خلال افتعال الملفات له ومداهمة منزله واحتجازه ليوم كامل خارج إطار القانون.

بدورها، استنكرت المنظمة الوطنية للوقاية من التعذيب منعها من الاطلاع على ظروف وضع العكرمي في المستشفى، دون الحصول على رد يوضح سبب هذا المنع، في سابقة اعتبرتها خطيرة.

مخاوف من التصفية
وسط هذه المخاوف قالت منى الغربي زوجة بشير العكرمي إنها لا تمتلك أي معلومات حول وضعه الصحي بسبب منعها من زيارته، مؤكدة أن الأمن لم يسمح لها بمقابلة الطبيب المباشر لحالة زوجها، مما أثار الكثير من المخاوف لديها بشأن سلامته.

وفي حديثها للجزيرة نت، عبرت الغربي عن قلقها من وجود مخطط لتصفية زوجها، خاصة مع الترويج المتكرر في منصات التواصل لمحاولة انتحاره، محملة الرئيس التونسي قيس سعيد، ووزيرة العدل ليلى جفال بالإضافة إلى وزير الداخلية توفيق شرف الدين مسؤولية سلامة العكرمي النفسية والجسدية.

وأكدت أن زوجها ينعم بصحة جيدة بفضل ممارسته الرياضة، وأنه لا يشتكي من أي أمراض على الرغم من تعرضه للظلم والتشويه خلال الفترة التي قضاها في العمل وكيلا للجمهورية بالمحكمة الابتدائية، حيث أشرف على أخطر ملفات الاغتيالات والإرهاب.

المنع من الزيارة
وفي هذا السياق، قال حمادي الزعفراني عضو هيئة الدفاع عن العكرمي إن الهيئة لم تتمكن إلى حد اللحظة من زيارته والاطمئنان على صحته في مستشفى الأمراض العقلية، مستغربا من عدم السماح للمحامين أو عائلته بزيارته رغم إطلاق سراحه.

وأكدت هيئة الدفاع أن النيابة رفضت يوم الجمعة 17 فبراير/شباط الجاري تمديد إيقاف العكرمي، لكنها قررت “الإيواء الوجوبي” له في مستشفى الرازي للأمراض العقلية.

وقال القاضي المعزول حمادي الرحماني إن إبقاء العكرمي في عزلة قسرية بمستشفى الأمراض العقلية لا يبعث على الاطمئنان، معتبرا أن الترويج لإشاعات حول محاولة انتحاره تزامنا مع منع عائلته ومحاميه من زيارته وتشديد الحراسة الأمنية عليه أمر مريب.

وتقول هيئة الدفاع إن العكرمي تم تتبعه جراء إصراره على كشف الحقيقة وعدم الخضوع للضغوطات التي مورست عليه من جهات نافذة، مؤكدة ملاحقته واستهدافه من جهات أمنية ثبت تقاعسها في كشف الحقيقة، وتورطت في التعذيب في قضية حادثة باردو.

وكانت النيابة العمومية أطلقت سراح العكرمي إثر اعتقاله بسبب شكوى تقدم بها ضده أعضاء في فرقة مكافحة الإرهاب ببشوشة في العاصمة، وذلك فيما يعرف بملف العملية الإرهابية في متحف باردو سنة 2015 والتي خلفت 22 قتيلا.

وتأتي الشكوى على خلفية قيام العكرمي بصفته قاضي تحقيق بسحب ملف تلك القضية من فرقة مكافحة الإرهاب في بشوشة ونقله إلى فرقة مكافحة الإرهاب التابعة للدرك الوطني، الأمر الذي مكن من إيقاف الضالعين الحقيقيين في الجريمة، وفق هيئة الدفاع عن العكرمي.

ودخل العكرمي منذ إيقافه في 12 فبراير/شباط الجاري في إضراب عن الطعام باعتبار أن النيابة العمومية عهدت إلى فرقة مكافحة الإرهاب في بشوشة بالبحث في الموضوع رغم أنها الجهة التي كان العكرمي قد سحب منها قضية باردو.

الجنون مقابل الحقيقة
من جانبه، قال المحامي عبد اللطيف طيطوحي إن العكرمي تعرض منذ سنوات إلى التشويه عبر المنابر الإعلامية دون أن يخرج عن واجب تحفظه، لكن عندما أراد أن يكشف الحقائق تم اعتقاله، ثم اتهموه بالجنون في النهاية لإسكاته، وفقا لمنشور له على مواقع التواصل.

بدوره، قال القيادي في حركة النهضة الإسلامية عماد الخميري للجزيرة نت إن الغاية من الزج بالعكرمي في مستشفى الأمراض العقلية هو منعه من الكلام وكشف الحقائق، مؤكدا أنه يتعرض للاستهداف من أجل التلاعب بملفات الاغتيالات السياسية والإرهاب.

في المقابل، قالت المحامية وفاء الشاذلي إن العكرمي دخل في نوبة عصبية لإيهام السلطات بانهيار أعصابه للهرب من المحاسبة، مؤكدة أن وضعه الصحي ليس في حرج، وأنه تحت إشراف الكفاءات الطبية، وأن عدم السماح بمقابلته يندرج ضمن سلامته.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد -الذي تتهمه المعارضة بمحاولة تكريس حكم استبدادي- قد اتهم بشكل غير مباشر بشير العكرمي بالادعاء بالجنون عندما طالته يد العدالة، متهما إياه سابقا بالتستر على ملفات إرهابية عدة.

جدل الإرهاب
بحكم منصبه الحساس أصبح بشير العكرمي محورا بارزا للجدل بين من يرى فيه قاضيا مستقلا عمل بنزاهة لتفكيك خيوط العمليات الإرهابية والإطاحة بعناصرها، وبين من يتهمه بالتغطية وطمس الأدلة التي تورط أطرافا سياسية، يعتقدون أنها متورطة بالإرهاب.

وكانت هيئة الدفاع عن القيادييْن اليسارييْن المغتالين شكري بلعيد ومحمد البراهمي سنة 2023 قد اتهمت العكرمي بالتستر على قيادات في حركة النهضة متورطة في ملفات الاغتيال والإرهاب، وهي تهمة تتبرأ منها حركة النهضة وكذلك القاضي المعزول بشير العكرمي.

والعكرمي عزله الرئيس قيس سعيد بموجب الأمر الرئاسي الصادر في الأول من يونيو/حزيران 2022 ضمن قائمة تضم 57 قاضيا معزولا بشبهات تتعلق بالفساد أو التورط في قضايا إرهابية أو قضايا أخلاقية وغيرها.

وعلى الرغم من أن المحكمة الإدارية في تونس قررت في يوليو/تموز 2022 وقف تنفيذ عدد كبير من قرارات العزل بحق القضاة -ومن بينهم بشير العكرمي- فإن وزارة العدل رفضت تطبيق قرار المحكمة وإعادتهم إلى وظائفهم بدعوى أنهم محل ملاحقات جزائية.

وتم اعتقال القاضي المعزول بشير العكرمي لأول مرة يوم الأحد الماضي 12 فبراير/شباط الجاري في نفس اليوم الذي اعتقل فيه الرئيس الأول الأسبق لمحكمة التعقيب القاضي المعزول الطيب راشد، وجاء إيقافهما وسط حملة اعتقالات

شاهد أيضاً

هكذا أدارت المقاومة الحرب النفسية مع الاحتلال في غزة

ظهرت في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية الحرب النفسية باعتبارها جبهة أساسية من جبهات هذه المعركة، وحاول كل طرف توظيف الدعاية للتأثير النفسي في مخاطبة جمهوره والجمهور المعادي.