حقوق الإنسان في القرآن الكريم.. قيم سامية وحجج دامغة

علي الصلابي

إن حادثة إقدام عدد من المتطرفين اليمينيين في السويد على حرق نسخة من القرآن الكريم، أمام أعين وحراسة السلطات السويدية، ما هي إلا تعبير صارخ عن تعصب هؤلاء المجرمين وجهلهم بقيم ومعاني أعظم كتاب في تاريخ البشرية، إنه الكتاب الرباني الأسمى الذي علّم البشرية أخلاقا ومبادئ رفيعة، كما تضمّن مقاصد عظمية تتجاوز في عمقها قيم وقوانين كل الشرائع والمواثيق الدولية الأخرى.

فمن مقاصد القرآن الكريم تقرير حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارا صادرا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها، ومن هذه الحقوق:

حق الحياة
حياة الإنسان مقدسة لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها، قال تعالى: ﴿من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا﴾ [المائدة: 32].

ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها، وكيان الإنسان المادي والمعنوي حمى تحميه الشريعة في حياته وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم في التعامل مع جثمانه (الغزالي، 2005، ص174).

يجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها.

حق الحرية
حرية الإنسان مقدسة كحياته سواء، وهي الصفة الطبيعية الأولى التي بها يولد الإنسان، وقد بيّنا أن من مقاصد الشريعة الحرية، وتحدثنا عن أنواعها، كحرية المعتقدات، وحرية التعبير، وحرية الفكر، وحرية التنقل.

ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها، ولا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتدى عليه أن يرد العدوان، ويسترد حريته بكل السبل الممكنة، قال تعالى: ﴿ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل﴾ [الشورى: 41].

وعلى المجتمع الدولي مساندة كل شعب يجاهد من أجل حريته، ويتحمل المسلمون في هذا واجبا، ولا ترخص فيه، قال تعالى: ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر﴾ [الحج: 41].

الناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب».

حق المساواة
قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [الحجرات: 13]. فالناس جميعا سواسية أمام الشريعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»، ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

والناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب»، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم، قال تعالى: ﴿ولكل درجات مما عملوا﴾ [الأحقاف: 19].

وكل فكر، وكل تشريع، وكل وضع يسوّغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام (الغزالي، 2005، ص175).

ولكل فرد حق في الانتفاع بالموارد المادية للمجتمع من خلال فرصة عمل متكافئة مع فرص غيره، قال تعالى: ﴿فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه﴾ [الملك: 15]، ولا يجوز التفرقة بين الأفراد كما ولا كيفا، قال تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ۝ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ [الزلزلة: 7 ـ 8].

من حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم، وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة.

حق العدالة
من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يتحاكم إليها دون سواها، قال تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء: 59].

وقال تعالى: ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم﴾ [المائدة: 49].

ومن حق الفرد أن يدفع عن نفسه ما يلحقه من ظلم، قال تعالى: ﴿لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم﴾ [النساء: 148]، ومن واجبه أن يدفع الظلم عن غيره بما يملك.

ومن حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم، وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة، ويوفر لها الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها (الغزالي، 2005، ص175).

قال تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا﴾ [النساء: 58]. وقال تعالى: ﴿يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب﴾ [ص: 26].

الأوضاع المدنية والأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا.

حقوق الأقليات
الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام، قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة: 256]. والأوضاع المدنية والأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا، قال تعالى: ﴿فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط﴾ [المائدة: 42]، فإن لم يتحاكموا إلينا كان عليهم أن يتحاكموا إلى شرائعهم ما دامت تنتمي -عندهم- لأصل إلهي: ﴿وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك﴾ [المائدة: 43]. وقال تعالى: ﴿وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه﴾ [المائدة: 47].

الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها بإرادتها الحرة، تطبيقا لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن الشريعة.

حق المشاركة في الحياة العامة
من حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياتها من شؤون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة، وعليه أن يسهم فيها بقدر ما تتبع له قدرته ومواهبه إعمالا لمبدأ الشورى، قال تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ [الشورى: 28]، وكل فرد في الأمة أهل لتولي المناصب، والوظائف العامة متى توافرت فيه شرائطهـا الشرعية، ولا تسقط هذه الأهلية أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم».

والشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها بإرادتها الحرة، تطبيقا لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن الشريعة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «إني وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة… أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم» (الحميدي، 1998، 9/28).

من حق كل فرد بل من واجبه أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وأن يطالب المجتمع بإقامة المؤسسات التي تهيئ للأفراد الوفاء بهذه المسؤولية، تعاونا على البر والتقوى.

حق الدعوة والبلاغ
لكل فرد الحق في أن يشارك مع غيره أو منفردا في حياة المجتمع دينيا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا… إلخ وأن ينشئ من المؤسسات، ويصنع من الوسائل ما هو ضروري لممارسة هذا الحق، قال تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ [يوسف: 108].

ومن حق كل فرد بل من واجبه أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وأن يطالب المجتمع بإقامة المؤسسات التي تهيئ للأفراد الوفاء بهذه المسؤولية، تعاونا على البر والتقوى، قال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ [آل عمران: 104] ، وحق الإنسان في إنكار المنكر، ورفض الفساد، ومقاومة الظلم البين، والكفر البواح، قرره القرآن بقوله تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون﴾ [هود: 13]. وقال تعالى: ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ۝ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون﴾ [المائدة: 78 ـ 79]، كيف لا وقد قيّد الله الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بالمعروف، فقال في بيعة النساء: ﴿ولا يعصينك في معروف﴾ [الممتحنة: 12]، وقال على لسان نبي الله صالح: ﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين ۝ الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون﴾ [الشعراء: 151 ـ 152].

بل إن الإسلام قد ارتقى بهذه الأمور من مرتبة الحقوق إلى مرتبة الفرائض والواجبات، لأن ما كان من الحقوق يمكن لصاحبه أن يتنازل عنه، أما الواجبات المفروضة فلا يجوز التنازل عنها (القرضاوي،2000، ص74).

إن هذه الحقوق العظيمة هي كنه مقاصد القرآن الكريم، جاءت مفصلة في آيات كريمة معجزة قبل قرون من مواثيق الغرب وحقوقه المزعومة، ومهما حاول المتعصبون هنا وهناك أن يسيؤوا إلى المقدسات الإسلامية سوف يظل القرآن الكريم كتابا هاديا للبشرية جمعاء موجها لكل قيم الخير والحق والسمو والتحضر الفكري والأخلاقي.

المراجع
علي محمد الصلابي، الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، 1432هـ-2011م، ص108-114.
يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم، دار الشروق، القاهرة، 1421هـ-2000م.
محمد الغزالي، حقوق الإنسان، دار النهضة، القاهرة، 1426هـ-2005م.
عبد العزيز عبد الله الحميدي، التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، دار الدعوة، الإسكندرية، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1418هـ 1998م.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.