المسلسلات من تجسيد الواقع إلى تدنيسه

واقع الإنسان هو شأنه اليومي الذي يعيشه سواء على مستوى شخصه، او محيطه أو مع ذويه أو في مجتمعه أو في أمته وشعبه، وهذا الواقع يشمل مجالات عدة دينية وأخلاقية وثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية، وكل تلك الجوانب متفاوتة من حيث السلبية والإيجابية، ويمكن النظر إليها بشكل إجمالي كما يمكن النظر إليها بشكل تفصلي كل مجال على حدة..

هذا الواقع الذي يعيشه الإنسان، منه ما يريد أن يغيره، ومنه ما يريد أن يبقيه ومنه ما يريد أن يحذفه، ومنه ما يريد أن ينقص منه، ومنه ما يريد ان يزيد فيه، وهكذا كل حسب حاله ونظرته وواقعه..

وهذا الواقع منه ما هو مشترك بين الناس ومنه ما هو خاص لكل شخص على حدة..

والإنسان يسعى دائما إلى إصلاح ما فسد من واقعه وتحسين من قبح من واقعه وتكميل ما نقص منه وحذف ما لا حاجة له به، إذن فحركة التغيير والتعديل مستمرة دؤوبة استمرار الحياة..

وبالتالي فهو كثير البحث عن وسائل التحسين والتكميل والتجميل..

وعادة ما يتصدر هذه المهمة أصحاب القرار والمتكلمون، فأصحاب القرار لأن بيدهم الفعل والمادة والقانون والتشريع، والمتكلمون من علماء ومفكرين وإعلاميين ومعلمين ومربين لأنه عندهم الفكرة والكلمة والتصور وغالبا التأثير والجمهور..
وضمن هؤلاء تأتي السينيما والدراما والتمثيل..

ولكن المقصد الأسمى عند الجميع هو محاولة الإصلاح والتطوير والتعديل..

لما يأتي خطيب جمعة ويحدثني عن الغش فإنه يذكرمظاهره لا شك ولكنه يذكر ذلك باسلوب يزيده بشاعة في خلد المستمع، ويردف ذلك بالعلاج ووسائل الوقاية..

لما يأتي المقرر المدرسي ويحدثنا عن الخيانة الوطنية فإنه يذكر مظاهرها ومشاهدها وبعض احداثها ولكن بصورة ظلامية تبعد التلميذ عن ورودها ثم ياتي بالنماذج الوطنية الحقيقية المقتدى بها..

لما ياتي البرنامج التلفزيوني يحدثنا عن المخدرات، فإنه يطرح الموضوع على شكل حوار، وقد تذكر بعض الآراء المهونة من هذا الخطر ويكون هناك نقاش حر، وبعد ذلك يذكر التحذير والخطر والمزالق..

وكذلك الأمر في المظاهر الإيجابية فإنه يتم تناولها بشيء من الإشادة والتشجيع والترسيخ والدعوة إلى الإشاعة..

إذن فمجرد التجسيد او التشخيص البعيد كل البعد عن الإصلاح والتحسين والتجميل والإشادة بالإيجابي، فلا معنى له، ولا فائدة منه، هذا إن سلمنا لزعم تجسيد الواقع، الذي سنعود إلى تحليله..

إلا أن هذا التناول للواقع لابد ان يراعي أمورا اهمها، ثوابت المجتمع، وأهمها، الدين والقيم..
فلا يمكن أن يقبل تجسيد يبيح الخمر والزنى والكفر وترك الصلاة والربا..

ستقول لي: هذه واقعة، فانظر من حولك ستجدها هنا وهناك؟
ساقول لك: نعم هي واقعة، ولكن هل كل واقع مقبول؟ لو كان الأمر كذلك، بالمرض واقع والجوع واقع والبطالة واقعة فهل نستسلم لذلك ونقبله بحجة انه واقع؟

الجواب طبعا لا،
وإنما الذي ينبغي ان نقوم به، هو تغيير ذلك وإصلاحه والتطهر منه بشتى الوسائل ومنها الدراما والتمثيل..والتوصل إلى أسبابه ودوافعه ومحاولة التخفيف من وطاته، وتبشيع صورته، وتقبيح مسلكه، وعدم التطبيع معه واستمراء وجوده..

هذا ما ينبغي ان يكون الحال مع الواقع السلبي..

اما الواقع الإيجابي وما أكثره، فيكون بالإشادة به، وإشاعته وتكثيره، والاقتداء به، ونمذجته، والحفاظ عليه حتى يشيع ويقع مكان الواقع السلبي..

اما زعم ودعوى تجسيد الواقع:
فهذا ينظر إليه من جهتين:
من جهة الواقع المجسد
ومن جهة نسبة ذلك الواقع

فمن حيث الواقع المجسد:
فالواقع كما مر، منه سلبي ومنه إيجابي، فلماذا التركيز على الجانب السليي؟ لماذا يتناول بصورة المظلومية وتحت شماعة الحرية وتحت زيوف الشرف المتبرئ منه؟
لماذا لا يتناول من جانب سلبيته دون هتك ولا تفسيق؟
لماذا لا يتناول الجانب العفيف من الواقع فيحمد ويمدح ويشاع؟

أسئلة عالقة الأجوبة، تظهر كذب زعم التجسيد المحايد، وتظهر قصدا آخر ثتبته طريقة التناول والوسائل والسيناريو والحوار وووو وهو التطبيع مع المنكر، وإشاعته واستمراؤه، وإدخال تقبله إلى كل بيت وتفتيح العيون الفطرية عليه، ليعقب ذلك شرعنته، فكلمة (الشيخة) في المغرب تعتبر قبحة وسبة وعورة قد تسترها المبتلاة بها، فلا تظهرها إلا بعيدا عن أسرتها وبيئتها، وعتتبر عارا في جبين أهلها الذين قد يتبرؤون منها،
لماذا هذا العنف؟ لماذا هذه الظلامية؟لماذا هذا الظلم؟ واش الشيخة مامن حقهاش تبثت ذاتها؟ وتساهم في بناء البلد وتطوره؟

نحن هنا لا نعرض بمن ابتليت بهذه المصيبة نسأل الله أن يطهر نساء وبنات المسلمين ويعفهن، ويصلح شأنهن..
إذا سلمنا جدلا هذه الأسئلة:
لنرجع إلى واقع (الشيخة) ما هو؟

هي امراة تجوب الأعراس والليالي الحمراء، ترقص وتهز الخصر وسط الكبير والصغير الذكر والأنثى مظهرة مفاتنها، مع غناء ماجن فاحش مختوم طبعا بالصلاة على النبي!!!! والنبي براء من هذا العمل، في جو ملؤه إهانة المرأة، وتحقير لها وتسليع لها، وتبضيع لها ولعرضها وتعريض لعرضها وشرفها للإنتهاك والانتهاء، مع ما يصاحب ذلك من فحش ومنكرات أخرى…
فعن أي حرية نتحدث؟ وعن أي مظلومية تحكي؟ وعن أس عنف أو تطرف نلوم؟
وماذا يمكن ان تضيفه الشيخة لمسار تطور البلاد او النهوض بها فكريا وأخلاقيا وتربويا؟؟؟؟؟ولا نهضة بدون دين واخلاق وقيم…
(فالشيخة) بصورتها الواقعية ظاهرة دائية كباقي الأدواء من إدمان ودعارة وخمور ووو ينبغي السعي لمكافحته وإصلاحه، ماديا ومعنويا بشتى الطرق والأساليب حتى تضيق دائرته ولا يشيع..ففطرة الشيخة تدعوها إلى الانتهاء، وتدعوها إلى إبعاد ذريتها عن هذا الابتذال… ولذلك شهادات وشهادات…

ولكن دعاة تشياخت والتشييخيين المفسدين يعبثون بقيم الأمة ودينها وثوابتها، فيتسترون خلف تلك الأسئلة التي ظاهرها الرحمة والرأفة، وباطنها الخبث وإشاعة المنكر باي ثمن وبأي طريقة، وكثرة المشاهدة والملازمة والتلبيس على المشاعر، يؤدي إلى تحقيق المراد ورد غير الواقع واقعا.. وهذا الذي يريدونه، في غياب المسؤولين عن الشأن الديني عن القيام بدورهم ومكافحة هذا الخبث، بل قد يجيزونه ويجدون له المخارج كما قال كبيرهم يوما: أن موازين مسألة خلافية!!!! فهل يرجى إصلاح!!! فتشياخت كذلك مسألة خلافية وإلى الندب أقرب!!! نسأل الله الثبات والسداد..
إذن فدعوى تجسيد الواقع دعوى باطلة، وعلى المغاربة أن يهرعوا لإيقاف هذا العبث بقيمهم ودينهم واخلاقهم… في إعلام يمولونه بدراهمهم، قبل أن تتلطخ الفطرة بعد ان تدنس الخلق والسلوك…

اما من جانب نسبية هذا الواقع:
فهذا الواقع المجسد بتلك الطريقة الداعية له والداعمة لوجوده والمشيعة له؟ كم نسبتها؟ كم نسبة الشيخات مثلا في صفوف نساء المغرب بالمقارنة مع المصليات او الصالحات أو التاليات لكتاب الله او الحريصات على بيوتهن، وتربية ابنائهن، بل الناجحات في مجالات مهمة لا تخدش أنوثة المراة ولا فطرتها ولا دينها؟

سنجد أنه لا مجال للمقارنة، فإن كنا صادقين فعلا؟ لماذا لا يسلط هؤلاء ضوءهم على تلكم النماذج؟ وتلكم الظواهر وتلكم النسب العالية الصالحة النقية التي ينبغي ان تحط في محطة القدوة؟

صدرت مؤخرا دراسة ان المغرب هو الأول عالميا في عدد حفاظ القرآن! لماذا لا تتناول الدراما هذه الظاهرة وهذا الإنجاز؟؟ إن كانوا صادقين في زعم ودعوى تجسيد الواقع!!!
ولكن الواقع هو أنهم تريدون تنجيس وتدنيس الواقع، فإن كانت فيه بعض النجاسة والدناسة التي ينبغي تطهيرها وحصر مكانها، هم يريدون تكثيرها وتوسيعها والتطبيع معها، حتى تصبح الطهارة نشازا، والعفة انغلاقا، والقيم عبئا، والدين قيودا، والصلاح عقدة والفطرة مرضا نفسيا، ينبغي التخلص منه، والدخول في مستنقعات النجاسة من قادوسها الواسع..
هذا الذي يراد وهذا الذي يسار إليه..

(فإن أخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا، وإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعا)

اللهم أصلح أحوالنا

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.