الخيانة

‏عاد ابن العلقمي إلى القصر، وأخبر المستعصم بأن هولاكو ليس لديه نية لدخول بغداد .. ، وإنّما مرّ بالعراق وأراد السلام على المستعصم والتفاوض معه حول بعض الأمور، وقد تمكن ابن العلقمي بطريقة أو بأخرى من إقناع المستعصم بالخروج.

‏جهّز المستعصم الهدايا .. ، وحضّر أسرته معه وخرج للقاء هولاكو واستقباله، فخرج من أسوار بغداد وبصحبته كبار رجال الدولة من علماء وأدباء ووزراء بعدد قدر بحوالي ( ٧٠٠ ) شخص …

فور وصولهم، استقبلتهم الجيوش المغولية، بأن قامت بعزل المستعصم بالله عن الوفد المرافق له، ومن ثم تم إعطاء الأمر لقتلهم جميعاً على مرأى من أعين المستعصم الذي شهد المشهد بعينه .. ،

‏بعد ما حدث أمامه، طلب المستعصم بالله من هولاكو أن يبقي على حياته، مقابل أن يدفع له نصف خراج الدولة وكل ما يملكه من أموال، وهو ما أعجب به هولاكو .. ،
( ‏ليتدخل ابن العلقمي ويخبر هولاكو بأن خراج الدولة كله سيكون له بالأصل بمجرد ذهاب المستعصم ووصوله إلى الحكم، ليتفاجأ المستعصم بخيانة وزيره التي لم يكن قد كشفها سابقاً )

وكان من مرافقي هولاكو رجلاً آخر عالم بالفلك مسلم يدعى “ حسام الدين ”، وعندما شاهد ما حدث أمامه، قال لهولاكو أن النجوم تخبره بأن قتل الرجل العباسي وإراقة دمه سيؤدي لهلاك جيش هولاكو ومرضه …!!

‏بعد أن اقتنع هولاكو، أشار نصير الدين الطوسي برأي أخر، فقال اقتلو هذا الرجل دون أن تريقوا دمه، ضعوه داخل كيس من الخيش واضربوه إلى أن يموت، وهو ما أعجب به هولاكو وأمر بتنفيذه، فتم ذلك.

نهاية المجرم أبن العلقمي

وفي عام ( ٦٥٦هـ )، دخلت جيوش المغول إلى بغداد، وذكر ابن كثير في مقدمة كتابه يقول “ أكره أن أكتب نعــوة المسلمين بيدي”، إذ شهد ذلك العام أحـداثاً لا توصف من شــدتها، فقد قــتل المغول أكثر من ( ٧٠٠ ) ألف إنسان في بغداد خلال ( ٤٠ ) يوماً، وبصحبتهم ابن العلقمي.

بعد شهر أو شهرين من دخول المغول إلى بغداد، بدأ ابن العلقمي ينظر للناس حوله .. ، فلم يتوقع أن هذا ما كان سيحدث، فذهب إلى هولاكو وطالبه بتطبيق الاتفاق وأن يسلمه الحكم .. ،

سخر منه هولاكو، وأمر أن يتم إركابه على الحمار وأن يلفون به شوارع بغداد، وفي تلك الأثناء مرت إحدى النساء فقالت له :” إيه يابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعلمونك؟”.

ويقال أن ابن العلقمي بعد ذلك الموقف نزل من على الحمار واتجه إلى منزله .. ، ولم يخرج منه لأكثر من ثلاثة أيام وهو يبــكي نادماً على مافعله بدولته وبنفسه، إلى أن تــوفي من النـدم الذي لم يفد بشيء، وتنتهي قصّة واحد من أعظم الخــونة في التاريخ.

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،