التصعيد الأمريكي الإيراني ….ماذا خلف الكواليس؟

د. ناجي خليفة الدهان

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

تواصل اهتمام المحلليٌن والإعلامين ووسائل التواصل الاجتماعيحول التصعٌيد الأخٌير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في الوقت الذي تزداد فيه التعزيزات العسكرية الأمريكية إلى المنطقة. وآخرها حاملة الطائرات يو اس اس ولنكولن، رغم أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية أثّرت بشكل كبير على اقتصاد (إيران) وعلى تحويلاتها لحلفائها في المنطقة، لكن الذي تبحث عنه الولايات المتحدة لم يتحقق بعد، مما زاد الحاجة في تشديد الخناق على إيران، وإن كان ذلك على حساب بعض حلفاء واشنطن. فقد ذهبت العقوبات إلى المصدر الرئيسي للاقتصاد الإيراني: (النفط).

ومنذ دخول العقوبات الأمريكية الأخيرة بصورتها الكاملة حيّز التنفيذ يوم 2 مايو الجاري، في رفع الاستثناءات عن الدول الثمانية المستوردة للنفط الإيراني، اتخذت حرب العلاقات الدعائية بين الجانبين مسارًا تصعيديًا حادًا، إذ يمكن قراءته من خلال التعزيزات الأمريكية، والتصريحات وبخاصة بعد تعيين قائد جديد للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي الذي يوصف بأنه ذو خطاب متشدّد تُجاه أمريكا.

وفي ضوء هذا الصخب، وتزاٌيد التوتر بين طهران، وواشنطن لابد من سائل يسأل عمّا إذا كان نُذُر مواجهة أمريكية إيرانية تلوح في الأفق! أم عرض القوة العسكرية الأمر كية لردع طهران ونزع مخالبها من المنطقة؟!

فلو استعرضا بعض العلاقات الأمريكية الإيرانية بالعودة قليلًا إلى الوراء، نجد أن أمريكا أزالت الشاه رغم أنه حليفها، وجاءت بشاه آخر (معمّم)! كما تم التعاون والتحالف (الإيراني الأمريكي) خلف الكواليس قبل احتلال العراق وإعطاء الدور لإيران، وما بعد الاحتلال تم تسليم العراق إلى إيران وإطلاق يدها في تدميره، وسمح لها بتأسيس المليشيات في العراق المرتبطة بإيران.

وكذلك الدور الإيراني في سوريا، واليمن، ولبنان. كل ذلك حدث تحت أنظار الولايات المتحدة بل وبمباركتها.وهذا التخادم أكده الكاتب تريتا بارسي في مؤلّفه كتاب التحالف الغادر (التعاملات السرية بين إسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة الأمريكية، والذي كشف عن طبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل، إيران، أمريكا) خلف الكواليس، وشدّد الكاتب على التعاون الاستخباراتي وصفقات الأسلحة والمحادثات السرية، كل ذلك عكس ما يعلن في الإعلام من شعارات العداء. ولابد من السؤال ماذا حدث لهذه العلاقة؟ وهل تمّ فضّ التعاون؟ أم ماذا حدث لتصل الأمور على ماهي عليه الآن؟ وهل هو اختلاف عقدي؟ أم اختلاف مصالح؟

من المعلوم أن أمريكا تبحث عن مصالحها سواء كانت مع دول الخليج العربي، أم مع إيران، فالسياسة الأمريكية لا تعترف بالصداقة الدائمة، وأمريكا تسعى لتنفيذ مخططاتها في الشرق الأوسط الجديد، ولا تريد أن يعكّر صفوها في تحقيق هذه الأهداف أو ينافسها، والعراق هو مركز الشرق الأوسط المنشود، ومحل تقاطع المصالح في العراق.

حيث بدأ يزعج الأمريكان، وفي الطرف الآخر فإن إيران لديها مشروعها التوسعي في المنطقة لاستعادة إمبراطوريتها المزعومة تحت غطاء الدين وحبّ آل البيت، من خلال أذرعها المنتشرة في المنطقة (المليشيات)، فضلًا عن طموحاتها النووية والصاروخية التي قد تهدد أمن ابنتها المدللة (إسرائيل). وإنّ تعارض هذه المصالح في المنطقة سيؤدي إلى التصادم مالم يفعّلوا الإرث القديم القائم على التعاون وتقاسم المصالح. وفي ضوء ذلك انطلقت الإشارات للاستفهام.

صرّح مساعد وزٌر الدفاع الأسبق مارك كميت: أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضدّ إيران، والهدف من التعزيزات الأمريكية في الخليج هو للردع، فقد تُقدم إيران -نتيجة لخطأ في الحسابات، وتحت ضغط العقوبات- على تصرف غير محسوب، وفي هذه الحالة نحن هناك للردّ.

كما صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون: بأن البيت الأبيض سيرسل مجموعة من السفن الهجومية بقيادة حاملة الطائرات إبراهام ولنكولن التي تحمل مجموعة من طائرات متعددة الأغراض لترهب إيران.

وفي ظلّ هذا الصخب وهذا التصعيد العسكري وبعد مجيء حاملة الطائرات التي وصلت مياه الخليج العربي؛ يصدر تصريح من رئيس الولايات المتحدة عن رغبته في لقاء الرئيس الإيراني دون شروط. وقد ذكرت وكالة سي إن إن بأن واشنطن تمرّر رقم هاتف ترامب على سويسرا لتسليمه إلى إيران كي تتواصل معه.

فمن خلال كل هذه التصريحات، والإشارات المتبادلة صار واضحا بأن أمريكا لا تريد تدمير إيران بل تعديل سلوكها ونزع مخالبها بما يحقّق أهداف أمريكا في المنطقة، حيث قال الرئيس الأمريكي ترامب: (لا نريد إيذاء إيران) وتصوّر الكثيرون بأنه لين وانبطاح ونسوا الشعار الذي رفعه أحد بناة الامبراطورية الأمريكية في بداياتها: (تكلم بهدوء واحمل عصا غليظة) ففي الوقت الذي كانت ولنكولن تعبر قناة السويس وطائرات B52 تهبط في الخليج العربي أطلق الرئيس ترامب هذا التصريح. ورغم كل ذاك لاتزال التداعيات مختصرة على التحذيرات المتبادلة والضغوط الاقتصادية والعسكرية لأسباب عدة منها.

– وفق المعطيات؛ فأن أمريكا لن تقدم على تجربة عسكرية بعد تلطّخ سمعتها في حروبها على أفغانستان والعراق، لذا أصبح من المؤكّد أن تلجأ إلى السلاح الاقتصادي الذي هو خيار المرحلة الوحيد أمام أمريكا مع التلويح باستخدام القوة العسكرية.

– ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن يختفي أحد أقطاب الحرب الطائفية الباردة في المنطقة، والذي يوفر لها الشرعية في زيادة نفوذها أكثر، كما أن القلق السياسي في المنطقة يعتبر أحد الأمور المربحة للولايات المتحدة الأمريكية والذي يجلب لها المليارات من دول الخليج العربي.

ومن يعتقد أن الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصورة خاصة قد فرّطوا في إيران الطائفية المصدّرة للفوضى في المنطقة فهو واهم، إنما يريد ترامب أن ينزع المخالب من إيران وأن تنهج سياسة إقليمية لا تشكل تهديدًا لحلفائها، وسيعمل على تأطير التسليح الصاروخي حتى لا يهدد أمن إسرائيل. علاوة على ذلك سيتقاضى الإتاوات من دول الخليج على هذه المنجزات، ولكن كيف؟ هل يحل بالحوار؟ أم هناك مفاجئات من خلف الكواليس؟ فأن الموضوع مصالح قومية عليا، ولا يوجد ما يمنع أمريكا من تحقيق مصالحها في النهاية، ولن تغادر ولنكولن المنطقة قبل تسلّم المليارات

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".