لهذا.. سنان أوغان لن يكون صانع ملوك

ياسر عبدالعزيز
منذ انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا، وحصول المرشحين الرئيسيين: الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح الطاولة السداسية ومن يقف وراءها كمال كليجدار أوغلو، على ما نسبته 49.51% مقابل 44.88% على التوالي، والحديث لا ينقطع عن سنان أوغان مرشح تحالف الأجداد، على أنه “صانع الملوك”، وأن أصوات مؤيديه غنيمة يسعى إليها المرشحان، بطلب الرضا من أوغان، ولمَ لا وهو الحاصل على ما نسبته 5.17%، وهي نسبة كفيلة بترجيح كفة أحد المرشحين الرئيسيين، ولعل الأكثر طمعا في هذه النسبة هو كليجدار أوغلو صاحب الــ44.88%، إذ إنه بحصوله على رضا مرشح الأجداد سيتفوق على منافسه بنسبة مريحة.
انبرى المحللون لاستشراف الأيام القادمة بانين توقعاتهم على أسس الأيديولوجيا والتوجهات وتماسك التحالفات وبنيانها وتقاطع المصالح وتضاربها وحساب الربح والخسارة، فكليجدار أوغلو الذي حصل على دعم الكتلة الكردية متمثلة في حزب الشعوب الديمقراطي أو رديفه حزب اليسار الأخضر، بما يزيد على 10%، عليه أن يوازن بين كسب هذه الكتلة وبين الـ5% التي مع سنان أوغان، مؤكدين أن الاختلافات الأيديولوجية ستقف عائقا بين كليجدار أوغلو والجمع بين أصوات أوغان وأصوات الأكراد، مما يعني أن خسارة أحدهما أكيدة، فيما تؤكد لعبة السياسة أن المصالح هي أول ما يمكن الحديث عنه في هذه اللعبة.
الرجل يمثل “أرنب السباق”، وهو مصطلح معروف في رياضة العدو، لكنه هنا -وبحكم لعبة السياسة التي تضم لاعبين طموحين- صرّح بأنه سيكون مع من يمنحه ما يريد
قبل الانتخابات، كان أوغان قد قال إن هدفه هو أن تكون هناك جولة ثانية، وحينها سيتفاوض مع المرشحين ويقدم لهما شروطه، ومن يستجب معه سيطلب من مؤيديه أن يصوتوا له. إذن فإن الأيديولوجيا غير واردة في حسابات الرجل بالأساس، ولعل من نفل القول ذكر أن أوغان أو تحالفه لم يقدموا أي برامج سياسية أو اقتصادية واضحة للانتخابات الرئاسية، وركز معظم حملته الانتخابية على موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لكن الرجل بالنهاية طموح ويريد أن يرد كرامته بعد طرده من حزب الحركة القومية مرتين، مما يعني أن عودته إلى أحضان أيديولوجيته غير وارد أيضا، كما يحلل البعض.
الرجل يمثل “أرنب السباق”، وهو مصطلح معروف في رياضة العدو، لكنه هنا -وبحكم لعبة السياسة التي تضم لاعبين طموحين- صرّح بأنه سيكون مع من يمنحه ما يريد، مما يعني أيضا أنه لن يختلف كثيرا عن حزب “الجيد” القومي الذي وضع يده في يد الأكراد “الانفصاليين”، وليس فقط الأكراد الذين يمثلونهم في مضمار السياسة التركية، لذا فوارد جدا ومع الإغراءات والتنازلات أن يقبل الرجل بدعم كليجدار أوغلو ويدعو حزبه ليكونوا من أنصاره.
فالحديث عن أن سنان أوغان لديه مشكلة مع كلٍّ من كليجدار أوغلو وأردوغان، لأن الأول متحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، والثاني متحالف مع حزب الهدى، وأنه وضع شروطا لكي يدعم أحد المرشحين، وأن منطلقاته في النهاية ستؤدي به إلى دعم أردوغان؛ هو كلام يبتعد عن أهداف أوغان نفسه الذي يشرح خبراء التسويق السياسي حالته بأنها حالة بناء للمستقبل، بمعنى أن الرجل ما دخل الانتخابات ليحصد مقعدها، ولا ليفوز بها، ولكن ليبني عليها خلال السنوات الخمس القادمة، ولعل أصوات محرم إينجه خدمته في ذلك.
إذا فرضنا جدلا أن كليجدار أوغلو وافق على مطالب أوغان، أو أن جهات خارجية تدخلت ووفقت بين الرؤوس، وتراضى كل بما يريد أو تنازل بعض الشيء، يبقى السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: ما مدى قدرة أوغان على تحريك الكتلة التي صوتت له، والبالغ عددها نحو 2.8 مليون صوت تقريبا، لكي يعطوا أصواتهم لكليجدار أوغلو؟
والإجابة تكمن في توزيع الأصوات التي حصل عليها مرشح تحالف الأجداد، فكيف للرجل الذي خسر السباق الرئاسي في ولاية إغدير مسقط رأسه، أن تكون له ولاية على الأصوات التي حصلها، كما أشرنا، كتجميع أصوات من هنا وهناك، فتحالف الأجداد بمكوناته تحصل على ما يقارب 1.45 مليون صوت، مما يعني أن النسبة التي حصل عليها أوغان جاءت له من خارج أنصار التحالف، وهو ما يعني أيضا أن أنصار محرم إينجه كان لهم دور في قفز مرشح تحالف الأجداد إلى هذه النسبة، كما يمكن أن يكون للأصوات العقابية دور في رفع هذه النسبة.
الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية لا يحتاج للتحرك لكسب ودّ سنان أوغان، وإن فعلها فسيكون على سبيل المناورة، ليدفع أردوغان إلى أن يرفع كليجدار أوغلو من سقف وعوده للرجل ثم يتورط معه
وهذا يعني أن الرجل لن يكون صانع ملوك كما يحاول الإعلام توصيفه، إذ إنه لا يملك بالأساس سلطانا على ناخبيه، وما كان في الجولة الأولى لن يكون في الجولة الثانية، على الرغم من أن التعويل على مزاج الناخب التركي ورغبته في التغيير يمكن أن تحدث فرقا، لذا يمكن أن تنقسم أصوات “صانع الملوك” إلى أصوات تعطى للرئيس أردوغان وأخرى تعطى لكليجدار أوغلو، وثالثة -وأراها ستكون غير قليلة- ستمتنع بالأساس، إذن فالتعويل في الجولة القادمة على دفع المترددين للتصويت للاستقرار، وهو نفس الدافع الذي به يمكن مخاطبة الفئة الرمادية، وكذلك تصحيح مسار أكثر من مليون صوت باطل، سواء عقابيا أو لعدم الإدراك التام بعملية التصويت، والتركيز على تعظيم الاستفادة من أصوات الناخبين المجنسين.
إذن، فإن الرئيس وحزب العدالة والتنمية لا يحتاج للتحرك لكسب ودّ سنان أوغان، وإن فعلها فسيكون على سبيل المناورة، ليدفع أردوغان إلى أن يرفع كليجدار أوغلو من سقف وعوده للرجل ثم يتورط معه، وتبقى الأيام القادمة هي الفيصل في شحذ الهمم وتحشيد الأنصار، لكي يحافظ أردوغان على انتصاراته، مع الوضع في الاعتبار أن تحالف كليجدار أوغلو يملك عوامل انهياره من الداخل، لكن ذلك أيضا قد يكون عاملا محفزا لإثبات الذات، بما أنهم اجتمعوا على هدف إسقاط أردوغان فإنهم يخشون أن يهزَم الجمع ويولوا الدبر.
ياسر عبدالعزيز