هكذا تحقق مصر العدالة في عهد السيسي

قالت وكالة رويترز للأنباء إنها حاورت أسر سبعة شبان أعدموا أو ينتظرون تنفيذ أحكام بالإعدام، وإن كل تلك الأسر تقول إن أبناءها تعرضوا للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بجرم لم يرتكبوه، وحرموا من الاتصال بمحامين.

ولأسابيع أو لشهور ظلت الأسر لا تعرف شيئا عن مكان احتجاز أبنائها، قبل إعدامهم. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن إعدامات كثيرة نُفذت بعد محاكمات شابها قصور.

ومن بين هؤلاء عامل البناء الشاب لطفي إبراهيم الذي ألقت قوات الأمن القبض عليه لدى خروجه من المسجد قرب بيته في محافظة كفر الشيخ (شمال) في ربيع 2015.

وعندما تمكنت أسرته من رؤيته مرة أخرى بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر كان في السجن وكانت آثار التعذيب الوحشي ظاهرة عليه بوضوح.

وقالت والدته تهاني إنه أنزل كُم قميصه من أجل ألا نرى آثار التعذيب “بس (لكني) أنا شفت حروق (رأيت حروقا) على دراعه (ذراعه)”. وأضافت أن وجهه كان شاحبا وكان حليق الرأس.

وانتهى الأمر بإبراهيم، الذي كان في ذلك الوقت في العشرين من عمره، إلى المثول للمحاكمة بتهمة قتل ثلاثة من طلبة الكلية الحربية بتفجير قنبلة بأحد الشوارع.

وأقسم إبراهيم أنه بريء، وقالت أسرته إن محاميه كان لديه دليل براءته متمثلا في اعتراف منفذي التفجير الحقيقيين، غير أن السلطات ألقت القبض على المحامي وكان التجاهل مصير الأدلة الجديدة.

وفي أوائل 2016، أي بعد عام تقريبا من القبض على إبراهيم، أدانته محكمة عسكرية وحكمت عليه بالإعدام. وكتب رسالة من زنزانته في السجن لأسرته وجه فيها كلمة لوالد واحد من طلبة الكلية الحربية القتلى.

وقال إبراهيم في رسالته “أشهد الله أني بريء من دم ابنك. والكل يعلم ذلك.. وادعُ لي وأنا أسامحك”.

وقالت والدته إنه عندما انتهى من كتابة الرسالة ووضع القلم تم اقتياده إلى غرفة الإعدام، حيث أُعدم شنقا في يناير/كانون الثاني 2018، بعد بضعة أشهر من القبض على محاميه.

وتقول الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن المحاكم المصرية أصدرت أحكاما بالإعدام على أكثر من ثلاثة آلاف شخص منذ 2014 عندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة، وتلغى معظم هذه الأحكام عند إعادة النظر فيها أمام محكمة الاستئناف.

ومن الصعب الحصول على إحصاءات عن عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها. ولا تنشر مصر أرقاما رسمية، كما أن أفضل مصادر المعلومات التفصيلية هي الصحف والمنافذ الإعلامية التي تربطها صلة وثيقة بالنظام.

وقد راجعت رويترز التقارير الإعلامية لفترة عشر سنوات وأجرت مقابلات مع باحثين في مجال حقوق الإنسان في مصر والخارج، واطلعت على تقارير منظمة العفو الدولية بشأن الأوضاع في مصر.

وكشف هذا الجهد عن التحقق من إعدام ما لا يقل عن 179 شخصا في الفترة من 2014 إلى مايو/أيار 2019، بالمقارنة مع عشرة أشخاص في السنوات الست السابقة.

وحدثت زيادة أيضا في عدد المدنيين الذين يمثلون للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية وكذلك عدد أحكام الإعدام التي أصدرها القضاة العسكريون. وأظهرت التغطية الصحفية التي قامت بها رويترز أن 33 مدنيا على الأقل أعدموا في أعقاب محاكمات أمام القضاء العسكري منذ 2015. ولم تنفذ أي أحكام عسكرية بالإعدام في الفترة من 2008 إلى 2014.

ومن الجرائم التي تصدر أحكام بالإعدام على المتهمين بارتكابها تشكيل جماعة إرهابية واستخدام المتفجرات والاغتصاب.

وتمثل عقوبة الإعدام جانبا من حملة أوسع نطاقا على الإسلاميين تشنها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق.

وقد تولى السيسي السلطة في 2014 بعد عام من إطاحة الجيش بمحمد مرسي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا. ومنذ ذلك الحين حظرت مصر جماعة الإخوان المسلمين.

وقال جمال عيد مؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومديرها “أرقام غير مسبوقة.. هذا انتقام سياسي”.

وتقول مصر إنها تخوض حربا على الإرهاب. وفي فبراير/شباط الماضي قال السيسي لقيادات زائرة من الاتحاد الأوروبي إن الشرق الأوسط وأوروبا يمثلان “ثقافتين مختلفتين”.

وأضاف أنه عندما يَقتل الإرهابيون فإن أسر الضحايا تريد القصاص بالدم ولابد من إعطاء هذا الحق من خلال القانون.

وقال السيسي “كل منطقة لها ظروفها الخاصة بها.. الأولوية في الدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لشعوبها والحفاظ عليها، والأولوية في بلادنا هي الحفاظ عليها ومنعها من السقوط والدمار والخراب، كما ترون في دول كثيرة موجودة بجوارنا”.

اغتيال هشام بركات أطلق يد القضاء المصري في حملة إعدامات شعواء (الجزيرة)
اغتيال هشام بركات أطلق يد القضاء المصري في حملة إعدامات شعواء (الجزيرة)
استغلال الإرهاب
وتنبه رويترز إلى أن تنفيذ بعض أحكام الإعدام يجيء بعد هجمات شنها من صنفوا بأنهم “إرهابيون إسلاميون”. وقال تيموثي قلدس الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط إن توقيت الإعدامات “يشير إلى اتجاه مزعج من جانب الحكومة يبدو فيه أن الإعدامات أدوات انتقام في أعقاب هجمات إرهابية وليست جزءا من نظام جنائي منظم للعدالة”.

وقال محمد زارع الناشط الحقوقي ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو منظمة أهلية مختصة في البحوث والتحليلات، إن السلطات تشعر “أنها مضطرة لتقديم شيء ما للرأي العام. وعليها أن تقدم جثثا. وليس مهما إن كانوا قد نفذوا الهجوم أم لا”.

فقد أُعدم إبراهيم وثلاثة شبان آخرين في واقعة تفجير القنبلة التي أودت بحياة طلبة الكلية الحربية بعد أربعة أيام من هجوم مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية على كنيسة وعلى متجر يملكه مسيحي في القاهرة، مما أسفر عن مصرع 11 شخصا على الأقل.

تشديد القبضة
في صيف 2015 أعلن السيسي أن القانون الجنائي المصري لم يعد يفي بالغرض منه. وقال إن مصر تواجه إرهابا وتحتاج محاكم وقوانين قادرة على تحقيق العدالة الناجزة.

وكان السيسي يتحدث في جنازة النائب العام هشام بركات الذي اغتيل في تفجير سيارة ملغومة.

وكان أحمد الدجوي طالب الهندسة واحدا من عشرات الشبان الذين ألقت قوات الأمن القبض عليهم في الأسابيع التي أعقبت مقتل النائب العام.

وقالت والدته غادة محمد إن السلطات احتجزته دون أن تتيح له الاتصال بمحام وعذبته بالصدمات الكهربائية وحرمته من الحصول على دواء مرض السكري الذي يعاني منه.

وأضافت الأم أن ابنها من أنصار جماعة الإخوان المسلمين غير أنه لا تربطه صلة ببركات سوى أنهما يعيشان في حي واحد بالقاهرة.

وشهد متهم آخر اسمه محمود الأحمدي في المحاكمة الجماعية في قضية اغتيال بركات بأن المتهمين تعرضوا للتعذيب.

وقالت غادة والدة أحمد الدجوي إن الأسرة لم تر ابنها لأكثر من عام، فقد حرمت الأسرة من زيارته في السجن مشدد الحراسة الذي كان محبوسا فيه بانتظار صدور الحكم وهو سجن العقرب الشهير في مجمع سجون طرة جنوبي القاهرة.

وقالت غادة “احنا (نحن) في بلد مافيش قيمة للبني آدم فيه (ليس فيه قيمة للإنسان). فوضى قانونية وسياسية. والبلد كده (الدولة هكذا) داخلة على نفق مظلم”.

طابور الإعدام

وقدمت مصلحة الطب الشرعي المصرية أدلة على تعذيب متهم آخر هو الطالب عصام عطا الذي أقنعه والده بتسليم نفسه للشرطة لأنه كما يقول بريء.

وبعد عدة أيام ظهر عطا وستة رجال آخرين على شاشة قناة تلفزيونية مؤيدة للحكومة بمظهر أشعث وعليه آثار كدمات وقد بدا عليه الضعف، قبل أن يعترف بدوره في قتل الشرطي.

وينتظر حازم محمد صلاح الذي حوكم في تلك القضية تنفيذ حكم الإعدام فيه بسجن الأبعادية في دمنهور بمحافظة البحيرة (شمال). وقال لأسرته إنه تعرض للتعذيب أياما عدة ثم نقل إلى مكتب وكيل النيابة.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،