التايمز: احتجاجات مصر تعبير عن ظلم حقيقي وعلى السيسي الاستماع إليها بدلا من قمعها

خصصت صحيفة “التايمز” افتتاحيتها للأحداث الأخيرة في مصر، وقالت تحت عنوان “رأي التايمز في الرئيس المصري السيسي: أطرش على النيل”، إن مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي حافظت على صمت القبور، فقد تم سجن الكثير من النقاد أو نفيهم، وتلاشت الحريات وتم إغلاق منصات التواصل الاجتماعي أو وضعت تحت الرقابة، فيما استدعت الشرطة ناشطي حقوق الإنسان للتحقيق معهم.

وفي عهد النظام البائد لحسني مبارك تم التضييق على المعارضة، لكن الناس كانوا أحرارا للعيش بالطريقة التي يريدونها طالما لم ينتقدوا الديكتاتور أو الجيش بشكل مفتوح. واليوم اختفت كل خطوط السيطرة.

و”كانت النتيجة انفجارا في المشاعر الغاضبة التي حركها شخص مغمور يعيش خارج البلاد، وأخذت الحكومة على حين غرة. ففي الوقت الذي كان السيسي بنيويورك يجتمع مع الرئيس دونالد ترامب، اجتمع قادة الأمن في القاهرة في محاولة لفهم التظاهرات التي استهدفت فساد النظام وكيفية انتشارها بشكل واسع في كل أنحاء المدن المصرية. وهناك جولة ثانية من التظاهرات متوقعة يوم الجمعة”. وتضيف أن الشرطة قامت بالتحرك سريعا إلى ميدان التحرير في العاصمة القاهرة خوفا من تكرار درس الربيع العربي قبل ثمانية أعوام والذي أطاح بمبارك. وكانت بعض الهتافات هذا الأسبوع مثل “يسقط يسقط العسكر”، ترديدا لما جرى عام 2011.

وتقول منظمات المجتمع المدني إنها سجلت اعتقال 356 شخصا، فيما حذر الإعلام الرسمي المواطنين من الاقتراب من التجمعات. وتضيف الصحيفة أن السيسي منذ أن قاد الانقلاب عام 2013 ضد الرئيس محمد مرسي حاول تحديث المجتمع من خلال المشاريع العملاقة، لكن الرأي العام هو أن الجيش كان المستفيد الأول منها. فهناك عاصمة جديدة يتم إنشاؤها لكن الجيش هو الذي يدير عملية الإعمار والنقل فيها. ولدى الجيش مصالح في السياحة والهندسة وإنتاج الأثاث وتعبئة المياه الصحية، فيما يعيش ثلث المصريين تحت خط الفقر والجنرالات يتمتعون بالأموال.

وتشير الصحيفة إلى أن الموجة الجديدة من التظاهرات جاءت بعد سلسلة من الأشرطة التي وضعها مقاول على صفحته في “فيسبوك” وكشف فيها عن فساد الجيش والنخبة المحيطة بالسيسي. وكان محمد علي قد عمل في بعض المشاريع للجيش إلا أنه فر إلى إسبانيا بعدما رفض الجيش دفع ملايين له لقاء أعمال قام بها. وبدأ باستخدام المعلومات التي لديه لفضح النظام الحاكم. ولا يعرف إن كانت حملته التي تكشف معلومات جيدة ستترك صدى لدى قطاع واسع من المصريين.

وهناك الكثير من النظريات التي انتشرت حول الخروج السريع للتظاهرات. فلربما كانت مدفوعة من فصيل داخل النظام غير مرتاح من السيسي وشلته، أو نتيجة لنزاع أجنحة في داخل النظام نفسه. لكن النظام سارع لإلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وتقول الصحيفة إن قطاعا واسعا من السكان يشعرون بضغوط الحياة، ودعموا انقلاب السيسي لأنه حمل وعودا بالحماية من الإرهاب والتطور الاقتصادي، وكان الخيار بين السيسي و”داعش” فاختاروه. واليوم يشاهدون البلاد وقد تهشمت وهبطت للحضيض فيما ازداد الجنرالات ثراء.

ودعا محمد علي في واحد من أشرطته إلى “التوقف عن تأليه الرئيس”، وهو محق في كلامه كما تقول الصحيفة لأن الرئيس بحاجة لمعالجة الانتقاد بأنه أداة في يد الجيش بدلا من كونه خادما للناس العاديين. وربما بدأ السيسي بوقف بناء القصور الرئاسية وتشجيع الصحافيين على التحقيق في فساد الدولة. وفي تحقيق مطول للصحيفة شرحت قائلة إن اعتقال الناشطة في مجال حقوق الإنسان ماهينور المصري (33 عاما) أظهر أن عجلة القمع قد دارت دورة كاملة. فقد ظلت شوكة في جسد النظام لمطالبتها بحقوق المرأة ودفاعها عن المهاجرين وتمثيلها لعدد من المتظاهرين المعتقلين. وعندما وصلت إلى مقرات الأمن للدفاع عن المحتجين المعتقلين تم اعتقالها.

وتقول الصحيفة إن التظاهرات الأولى يوم الجمعة فاجأت السلطات المصرية. وكانت التظاهرات الصاخبة التي عمت القاهرة والإسكندرية والسويس -على خلاف احتجاجات عام 2011- بدون قيادة واضحة وبدون تنظيم واضح، فقد سحق النظام الإخوان المسلمين والقوى الليبرالية بعد سيطرة السيسي على الحكم عام 2013. وكانت الاحتجاجات الأخيرة ردا على دعوات المقاول محمد علي، وليس استجابة لطلبات نقابات عمالية أو جماعات معارضة. وجاءت بعد النقاشات العامة للفساد الذي كشفته أشرطة علي عن فساد السيسي وبنائه القصور الرئاسية من أموال دافعي الضرائب. وأصبح علي المتحدث الرسمي باسم المحرومين ليس ضد الفساد، ولكن ضد فشل النظام الاقتصادي. ومن هنا دعا إلى مليونية يوم الجمعة تكرارا للتظاهرات العارمة التي أطاحت بمبارك. وكانت معظم التظاهرات الأخيرة صغيرة وسلمية. وإلى جانب هتافات رحيل السيسي، كانت هناك مطالب بإنهاء الحكم العسكري.

وقال بهي الدين حسن، مدير معهد دراسات حقوق الإنسان: “ما نراه اليوم هو تطور تاريخي، فلأول مرة في سنواته الست يواجه السيسي موجة من الغضب الشعبي ترفض علانية حكمه، وليس عبر منصات التواصل الاجتماعي ولكن في شوارع المدن المصرية”.

وقبل وصول السيسي كانت البلاد تشهد حالة إحياء في حرية الإعلام، وبعد سيطرته تم تركيعه، حيث يقوم الآن بشن حملة ضد المتظاهرين ويتهمهم بالعمالة لدول أجنبية تريد تخريب مصر. وهدد المعلق أحمد موسى، المناصر للسيسي، المتظاهرين قائلا إن الكاميرات تراقب من يتظاهرون ثم يعودون إلى بيوتهم ويعتقدون أنهم آمنون: “لا لستم في آمان” و”من لم يعتقل اليوم سيعتقل غدا”. ومواقف كهذه هناك من يدعمها، وهناك خشية من دخول البلاد حالة من الاضطرابات تزيد الأوضاع الاقتصادية سوءا وتمنح تنظيم الدولة فرصة للتمدد.

إلا أن الناشط من شمال سيناء مسعد أبو فجر قارن التحذيرات من الفوضى والإسلاميين بأساليب بشار الأسد في سوريا الذي شجع الفوضى والتطرف بعد عام 2011. وقال أبو فجر إن التظاهرات الأخيرة تحدت صورة النظام، “وأصبح السيسي ضعيفا، وعندما يفقد النظام رأسه لا يستطيع السير”.

وعادة ما يتم تصوير النظام بأنه يتكون من أجنحة متصارعة مثل الجيش والمخابرات والشرطة. وقبل احتجاجات الأسبوع الماضي، تم رفع الحظر عن عدد من مواقع الإنترنت التي أغلقت، ولم يرسل الجيش قواته إلى الشوارع كما كان يفعل في الماضي، فيما رأى فيها البعض تلميحا عن استعداد الجنرالات للتخلي عن الرئيس لو زادت حدة التظاهرات.

ويرى بهي الدين حسين فيها إشارات “تمرد”. ومن المعروف أن هناك سخطا عاما على الترفيع السريع لنجل السيسي محمود، والإطاحة برئيسها السابق عباس كامل. كل هذا لا يمكن ترجمته إلى انتفاضة واسعة ضد السيسي، فلا توجد هناك تعبئة من المعارضة، كما أن النظام مطمئن من دعم الإعلام له.

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،