قصة ذو القرنين من قصص الصالحين

الثابت من قصة ذي القرنين هو ما قصه الله تعالى مجملا في سورة الكهف وأما قصة دخوله في تلك الظلمة وشربه من ماء الحياة، فنقول: إن هذا لم يثبت ولم يكن عليه دليل واضح فلأجل ذلك نتوقف فيه ونقول: الله أعلم بحقيقة الحال قد عرف بأن الحياة الدنيا ليست بدار قرار وأنه ليس أحد يبقى فيها ولا يأتي عليه الموت.
والحكايات التي يذكرونها أنها أن هناك من هو حي كالخضر وإلياس وذو القرنين وأنهم باقون لا يموتون كل هذه حكايات لا أصل لها بل الواقع يكذبها، فمن ادعى أن هناك نهر يسمى نهر الحياة وأن من شرب منه فإنه يحيا ولا يموت فإن هذا غير صحيح فهذه القصة التي فيها أنها ذا القرنين سأل هؤلاء الملائكة وأخبروه بهذه العين وأخبروه بهذه الظلمة، وأنه سار ومن معه حتى وصلوا إلى هذه الظلمة التي لا يدخلها أحد وأنه عزم على دخولها، إلى آخر ما ذكر في هذه القصة نرى أنها إسرائيليات لا تصدق ولا تكذب.
ولكن الدلائل على أنها غير صحيحة ظاهرة لمن تأملها والقصص التي يذكرونها أن إلياس حي وأنه اتصل به فلان ورآه فلان هذه أيضا ليست صحيحة، والقصص التي يذكرون فيها حياة الخضر وأنه نبي وأنه حي ما مات وأنه باق وأنه لقيه فلان ولقيه فلان وكلمه وقال: أنت الخضر هذه أيضا لا حقيقة لها، قد أثبت العلماء أنه لا يبقى أحد معمر بل الله تعالى هو الحي الذي لا يموت قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وقال: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وقد استدل البخاري -رحمه الله- على موت الخضر وغيره بالحديث الذي في الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم – قال في آخر حياته: أرأيتم مائة سنة بعد هذا فإنه لا يبقى على وجه الأرض نفس منفوسة إلا ماتت يريد بذلك انقضاء قرنه؛ يعني أنه في ذلك القرن يموت من كان على وجه الأرض الآن وليس المراد موت الخلق كلهم يريد أن الموجودين على وجه الأرض في تلك الساعة لا يأتي عليهم مائة سنة إلا وقد انقضوا وولد غيرهم وعاش من بعدهم، هكذا جاء هذا الحديث مفيدا أنه لم يكن أحد باقي إلا الله تعالى.
قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قد حدد الله تعالى الآجال العادة والمتبع أنه يقل أن يتجاوز الإنسان التسعين من السنين ومن جاوز التسعين أو جاوز المائة فإنه نادر والأغلب موتهم في السن المبكرة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم – أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجاوز ذلك لكن قد يكون في الأمم السابقة من يمد في عمره كما حكى الله تعالى عن نوح أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما أي مكث في قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فيمكن أن هذا من خصائص نوح ويمكن أن الأنبياء وأن أهل ذلك الزمان تطول أعمارهم.
وقد ورد أيضا في حديث أن الله جعل عمر آدم ألف سنة هذا قد يكون أيضا من خصائصه ويمكن أن أول الخلق في ذلك الزمان تكون أعمارهم طويلة إلى أن تقاصروا وصاروا في هذا الزمان لا يتجاوزون المائة إلا نادرا، ثم في هذه القصة أن ذا القرنين أنه مشى على الأرض وصل مطلع الشمس ووصل مغربها؛ قد ذكر بعض العلماء أن الذين ملكوا الدنيا أربعة مسلمان وكافران؛ أما المسلمان فذو القرنين وسليمان وأما الكافران فالنمرود وبختنصر لما ذكر ذلك ابن كثير توقف في ذلك وقال: الله أعلم بصحة ذلك.
فليس في قصة ذي القرنين أنه ملك الدنيا، وإنما فيها: إنه سار في جانب منها وقد يكون سيره في طريق واحد إن مر بهم قاتلهم إلا أن يسلموا ولا يمكن أنه يسير في جوانب الأرض شمالا وجنوبا فإن الأرض واسعة وأيضا فإنه انتهى سيره في جهة الغرب إلى تلك العين الحمئة ولم يتجاوزها ولا بد أن بعدها خلق لم يبلغهم وكذلك أيضا مطلع الشمس وصل إلى مكان تطلع منه الشمس ولا بد أيضا أن وراء الشمس وراء مطلعها خلق الله أعلم بهم فهل يقال إنه ملك الدنيا .
كذلك أيضا إن ما ذكر الله تعالى أنه يمر بهؤلاء فيقاتلهم إلى أن يسلموا فيمر على المسلمين فيثبتهم ويجازيهم يقول الله عنه: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا يعني يعذبه إما بقتال وإما بحبس وإما بتأديب وإما بضرب أو جلد أو نحو ذلك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ يدل على أن عذابه في الدنيا لا يكفي عن عذابه في الآخرة، بل الله تعالى يعذبه في الآخرة بالعذاب الأشقى الذي هو عذاب النار، وأنه يقول: مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى يدل على أنه يجازي من آمن جزاء الحسنى فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا فهذه سيرته.
ولا شك أنه إنما يسير فيمن حوله ويمكن أن الله تعالى سخر له؛ سخر له الريح أو سخر له البحار حتى تحمله وتقربه إلى ما يريد أو سخر له من الدواب ما يسير به سيرا سريعا إلى أن وصل إلى ما وصل إليه.
وأما سليمان فقد ذكر الله تعالى أنه سخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر أي أنها تحمله في أول النهار مسيرة شهر وفي آخر النهار مسيرة شهر، ولكن ذلك لا يدل على أنه ملك الدنيا كلها.
فالواقع أن القصص التي ذكرت في القرآن مجملة يؤمن بها المسلمون ويقولون هذا مما أخبر الله به فنصدقه ونرد على من ينكرها أو يكذب بوقوعها أو يقول: إنها غير مرئية أو غير مشاهدة أو أين هي، فإن أرض الله تعالى واسعة ولم يحيطوا علما بما على وجه الأرض، فكيف مع ذلك يكذبون بأشياء لا يحيطون بها يقول الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ أي إلا بما علمهم وأطلعهم عليه وأمر الأمم السابقة قد أخبر الله تعالى ببعضه ولم يخبر به جميعا يقول الله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ويقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .
والحاصل أن سبب نزول هذه القصة مجملة سؤال كفار قريش لليهود وإخبار اليهود بأنه له خبر عجيب، وكذلك أيضا قصة الكهف وأصحاب الكهف لهم خبر عجيب ولكن ليس ذلك بعجيب على قدرة الله تعالى، فإنه على كل شيء قدير وإنه قد أحاط بكل شيء علما وإن العباد مهما حاولوا لا يحيطون بعلمه الذي وسع كل شيء يقول تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فإذا كان كرسيه وسع هذه المخلوقات السماوات والأرض ونسبة الكرسي إلى العرش أيضا نسبة صغيرة فالإنسان مهما بلغ من العلم عاجز عن أن يحيط بعلم الله.
أسئـلة:
س: زعم بعض المتأخرين أن يأجوج ومأجوج قد يكونون هم أهل الصين وأن السد المذكور هو سور الصين المعروف فكيف نرد على هذا التأول؟
هذا قول قيل لأنهم لما سمعوا أن العلم قد اتسع وأن البلاد قد تقاربت وأن الاطلاع قد حصل على أطراف الأرض بواسطة المكالمات وبواسطة الطائرات ونحوها، قالوا: أين يقع هذا السد وأين يقع هؤلاء الخلق الذين هم يأجوج ومأجوج، أحطنا بأطراف الأرض وبأرجائها ولم نجدهم فأين هم فادعى بعضهم أنهم هم الصين ولكن لا تنطبق عليهم تلك الصفات ويمكن.. الله أعلم أين هم.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.