إرهاب اليمين الحركي بالغرب.. هكذا غادر منصات الإنترنت لاستهداف المسلمين

فتح الهجوم الذي جرى في كرايست تشيرتش النيوزلندية ملف اليمين الحركي المتطرف في الغرب، خاصة بعد أن اتخذ طابعا أكثر عنفا ومتجاوزا للحدود.
وكان منفذ الهجوم برينتون تارانت قد عبّر عن اعتزازه برفاقه الذين قاموا بهجمات مماثلة في إيطاليا وكندا والنرويج والولايات المتحدة، ووجّه دعوة للمتطرفين اليمينيين على مستوى العالم للقيام بهجمات مماثلة في بلدان أخرى.
وشكلت قضايا التفوق العرقي للبيض والعداء للمسلمين والهجرة واللاجئين، أولوية الأجندة اليمينية المتطرفة، ويعد المسلمون هدفا رئيسيا للمجموعات التي أصبحت مع تحوّلها للعنف مصدر تهديد محلي وعالمي حتى في بلدان معروفة بمستويات عالية من الأمان والتنوع مثل نيوزيلندا.
واستخدمت الجماعات القومية اليمينية المتطرفة و”الإرهابيون البيض” المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية لتجنيد أنصار جدد بطريقة تشبه تلك التي يستخدمها المتطرفون الآخرون، وتبنت أجندة عالمية للقتال ضد ما تسميه “عدوا إسلاميا مشتركا” دفاعا عن “الغرب المسيحي أو الأبيض”.
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد خطف الأضواء من الجماعات المسلحة الأخرى، فقد سجل معهد الاقتصاد والسلام في سيدني مقتل 66 شخصا في 113 هجوما حول العالم بين عامي 2013 و2017 قام بها عناصر من اليمين الحركي العنيف.
واكتسب هذا التيار زخما جديدا مع وصول اليمين السياسي للحكم في بلدان غربية أبرزها الولايات المتحدة، وتوقع بعض الباحثين أن يقل نشاط المجموعات اليمينية العنيفة بعد أن وصل شركاؤهم الأيديولوجيون بالفعل لسدة الحكم، لكن ما جرى كان العكس تماما إذ ترافق ذلك مع زيادة في نشاط الإرهاب اليميني العنيف.
ويجمع الشعبوية السياسية واليمين الحركي المتطرف ادعاءات متشابهة مثل الزعم بدعم المواطن العادي بدلا من النخبة، ويؤيدون التفوق العرقي للبيض ويعارضون الهجرة سواء لأسباب اقتصادية تتعلق بفرص العمل أو لأسباب ثقافية تتعلق بالحفاظ على القيم والهويات التقليدية.

منفذ هجوم كرايست تشيرتش اعتز برفاقه الذين قاموا بهجمات مماثلة (مواقع التواصل)
“نحن ضدهم” من هي مجموعات اليمين الحركي العنيف؟
تشمل الجماعات المرتبطة بالإرهاب اليميني عصابات حليقي الرؤوس البيضاء، ومثيري الشغب من اليمين المتطرف، والمتعاطفين معهم. وتروج هذه التيارات الإرهابية اليمينية لنموذج دولة “تتخلص من العناصر الأجنبية التي تقوضها من الداخل” حتى تتمكن “من توفير خدماتها لمواطنيها الطبيعيين الشرعيين”.
ويمتلك بعض منظري هذه الحركات اليمينية الجرأة للقول إن أجدادهم البيض قد سافروا إلى شواطئ بعيدة في نيوزيلندا وأستراليا وأميركا الحديثة لارتكاب عمليات إبادة جماعية ضد السكان الأصليين، وإن لديهم الجرأة لتكرار هذه الممارسات لحماية تراثهم العرقي والقومي.
وإذا كان هذا الخطاب العنصري والكراهية للمسلمين معتادا لدى ساسة غربيين مثل النائب الهولندي خيرت فيلدرز أو عضو الكونغرس الأسترالي فريزر أنينغ، فإن العنصريين البيض لا يشعرون بمشكلة في اللجوء إلى الإرهاب والقتل وتنفيذ عمليات ضد المسلمين، مستندين لظهير سياسي وإعلامي يتمتع بالشرعية والاعتراف.
ورغم أن أغلب المنتمين لهذه التيارات الراديكالية يصنفون “ذئابا منفردة”، فإن هناك مجموعات منظمة تحتضن هذه الأيديولوجيا، ففي الولايات المتحدة تشمل مجموعات اليمين الحركي مجموعات تفوّق العرق الأبيض مثل كو كلوكس كلان (KKK)، والنازيين الجدد، ومجموعات حليقي الرؤوس مثل أمة هامرسكين العرقية.
وتسعى الجماعات العنصرية لاستعادة ما تعتبره التسلسل الهرمي العنصري من خلال فرض سيطرة اجتماعية وسياسية على غير البيض وخاصة الأميركيين من أصل أفريقي واليهود ومؤخرا المسلمين ومجتمعات المهاجرين المختلفة، ويتبنى هؤلاء قيما عنصرية وفصلا قسريا وكراهية الأجانب، كما يرفضون التوجهات الديمقراطية.
ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، صاغت العديد من الجماعات العنصرية أفكارها في سياق دفاعي، وقالت إنها تسعى لتعزيز أو حماية الجنس الأبيض، والحفاظ على تراثها وثقافتها. في حين لم تجد مجموعات أخرى حرجا في استخدام شعارات ورموز من التراث النازي، وتتفق هذه الجماعات في الاعتقاد بأن النقاء الإقليمي والعرقي شرط لبقاء “الجنس الأبيض”، ولديها بالفعل تصورات للفصل القسري، بما في ذلك “برامج” للقضاء على الأعراق “الرديئة” أو طرد الآخرين، أو تقسيم الولايات المتحدة لمناطق جغرافية متجانسة عنصريا، وبدا هذا واضحا في خطاب تارانت منفذ هجوم نيوزيلندا الذي تبنى فكرة “بلقنة الولايات المتحدة”.

صورة برينتون تارانت منفذ هجوم نيوزيلندا تصدرت أغلفة الصحافة العالمية (غيتي)
من منتديات الإنترنت إلى العنف
عززت منصات الإنترنت من انتشار اليمين المتطرف بشكل كبير في أنحاء أميركا الشمالية وأوروبا، واستغلت تزايد مشاعر العداء للإسلام وكراهية الأجانب والخوف من الهجرة وحتى الضغوط الاقتصادية لتكتسب مزيدا من الأنصار، ومع ذلك فشلت في الحصول على اهتمام وسائل الإعلام مقارنة بأشكال العنف والإرهاب الأخرى، وإضافة لذلك فقد أفلتت من مراقبة السلطات التي تولي في العادة ملف الإرهاب أولوية كبيرة.
ولا يتعلق الانتشار الإلكتروني بمنصات الشبكات الاجتماعية المعروفة مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر فقط، فالجناح اليميني المتطرف احترف تطوير نظم تواصل خاصة عبر مجموعة من المنصات المصممة لهذا الغرض مثل “Gab” و”Minds” و”Voat”، حيث ينسقون عبرها نشاطهم ومشاركة المحتوى الذي يحرض على الكراهية، بحسب الباحث في معهد الحوار الإستراتيجي جاكوب ديفي.
وفي هجوم نيوزيلندا الأخير أعلن المهاجم عن عمليته مسبقا على “8chan”، وهي واحدة من المنصات التي يستخدمها اليمين الحركي المتشدد والمؤمنون بالتفوق العرقي للبيض في الغرب، ولا تطبق هذه المنصات لوائح تنظيمية تمنع هذه النشاطات والخطابات العنصرية، بحسب مقال ديفي في صحيفة تلغراف البريطانية.
وإضافة لذلك، تنشط مجموعات يمينية على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل تويتر وفيسبوك، وتستفيد من “المساحة الرمادية القانونية” التي لا تنتهك القانون بشكل مباشر، وتستغل حرية التعبير للترويج لأيديولوجية الكراهية العنيفة التي تمتد لخارج حدود الإنترنت.
ويتشابه نمط هجمات اليمين الحركي المتطرف في الغرب مع هجمات تنظيم الدولة في جوانب عدة، فهي هجمات من أجانب ضد مواطنين محليين، فالأسترالي منفذ الهجوم سافر ليقتل نيوزيلنديين مسلمين في بلدهم. كما أن نمط التطرف وتبني نظريات المؤامرة والاهتمام الضعيف بالتعليم والمعرفة الحقيقية بالتاريخ والمجتمعات والأديان، كلها عوامل تجعل أيديولوجية اليمين العنصري العنيف نظيرا لتنظيم الدولة.
ويتشابه الطرفان كذلك في استخدام تقنيات الاتصال الحديث والإنترنت والعملات المشفرة التي يتبرع بها المتطرفون اليمينيون والمتشددون الإسلاميون على حد سواء.
وإضافة لذلك، فهناك فكرة أساسية مشتركة بين اليمين الحركي المتطرف وتنظيم الدولة، فرغم التناقض الفكري بينهما، فإنهما يتفقان على عدم وجود أبرياء أو مدنيين في صراع الحضارات المفتوح بين الإسلام والغرب، وهي الفكرة التي تستخدم لتبرير قتل المدنيين عشوائيا وبلا تمييز.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *