وسيلة مبتكرة تساعد المحققين في كشف خيوط الجرائم الغامضة

الكاتب كريس بارانيوك

يعرض جهاز الكمبيوتر الخاص بالمهندس إدواردو فيدالغو، المتخصص في علوم الحاسب بجامعة ليون شمال غربي إسبانيا، صورا قد لا تختلف عن المشاهد التي اعتدنا رؤيتها في منازلنا، إذ تظهر إحداها أريكة عليها وسائد، وغطاء مطويا فوق سرير، وبعض دمى الأطفال المتناثرة على الأرض.

لكن هذه الصور يستخدمها فيدالغو وزملاؤه لتدريب آلة جديدة على رصد الأدلة بدقة في ثنايا صور لمسرح الجريمة.

إذ يواجه ضباط الشرطة عند دخول مسرح الجريمة كما هائلا من المعلومات البصرية، التي تحمل في طياتها خيوطا قد تقودهم للكشف عن الجاني. ولهذا طور فيدالغو أداة للكشف عن الأدلة تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على محتويات الصور التي يلتقطها أفراد الشرطة أثناء معاينة مكان الجريمة، والبحث عن روابط بينها وبين صور لجرائم سابقة.

هل يمكن لهذه التكنولوجيا أن تضع حدا للتحرش والتنمر؟
كيف تُعلم جيلا “تأثر سلبا” بالتكنولوجيا الحديثة؟

قد تساعد مضاهاة محتويات صور مسرح الجريمة مع صور الجرائم السابقة في الكشف عن روابط بين الجرائم قد لا ينتبه لها المحققون
ويقول فيدالغو إن الجاني قد يترك وراءه أثرا ماديا ربما كان قد استخدمه في جرائم سابقة. فإذا سجل النظام هذا الدليل من صور الجرائم السابقة ثم استخدمه الجاني في جرائم أخرى، فقد يستعيده النظام من الذاكرة ليلفت إليه أنظار المحققين، الذين ربما يكونوا قد غفلوا عنه.

ويشير فيدالغو إلى أن أجهزة الشرطة في الوقت الحالي تستخدم أدوات أخرى للتعرف على الصور، منها مثلا حقائب سفر مملؤة بأجهزة الكمبيوتر المحمولة، التي تقوم بتحليل كميات هائلة من صور جرى تنزيلها من الأجهزة الإلكترونية للمشتبه به. ويتعرف النظام تلقائيا من الصور على الوجوه المألوفة، ويقيّم العمر والجنس لهؤلاء الأشخاص، وقد يميز أيضا الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، ليجنب رجال الشرطة عناء البحث وسط هذا الكم من الصور.
وتستعين أجهزة الشرطة بالذكاء الاصطناعي في تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات المراقبة وملفات الأدلة وسجلات الجرائم لمواكبة الأساليب المتطورة التي يستخدمها الخارجون عن القانون للإفلات من قبضة العدالة.

قد يساعد تحليل آلاف الصور المخبأة في الجانب المظلم من شبكة الإنترنت في الإيقاع بالمجرمين الذين يستغلون الأطفال
كما أعلن موقع فيسبوك مؤخرا أنه استعان بالذكاء الاصطناعي للكشف عن نحو تسعة ملايين صورة إباحية للأطفال على شبكته في غضون ثلاثة أشهر. وأغلب هذه الصور لم تتلق فيسبوك أي بلاغات بشأنها من قبل.

وتستعين نحو 200 وكالة لإنفاذ القانون في الولايات المتحدة بخوارزمية طورها باحثون بجامعة جنوب كاليفورنيا تبحث في أعماق شبكة الإنترنت عن أدلة قد تقود المحققين إلى ضحايا الإتجار بالبشر والاستعباد الجنسي.

وحققت هذه الأداة نجاحا كبيرا شجع وزارة الدفاع الأمريكية على تجربة استخدامها في التحقيقات الأوسع نطاقا، للكشف عن تجار المخدرات والإتجار غير المشروع بالأسلحة والسلع المقلدة.

ويستخدم جهاز الشرطة في المملكة المتحدة برنامجا طورته شركة “سيلبرايت” للطب الشرعي الرقمي، يبحث تلقائيا في الهاتف المحمول للمشتبه به عن أدلة محتملة، وبإمكانه تحليل الصور وأنماط التواصل ومضاهاة الوجوه والبيانات من عدة أجهزة، لمساعدة ضباط الشرطة في تكوين صورة مكتملة العناصر عن طرق تواصل المشتبه بهم مع بعضهم البعض. وأسهم هذا البرنامج في الكشف عن المسؤولين المتورطين في قضية إتجار بالبشر في تايلاند.

تستخدم بعض أجهزة الشرطة تقنيات التعرف على الوجوه التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد هوية الأشخاص
ويقول ويليام وونغ، أستاذ التفاعل بين البشر والكمبيوتر بجامعة ميدلسيكس، إن الخوارزميات يمكنها أيضا العثور على روابط محتملة بين القضايا الجنائية من خلال البحث السريع في قواعد بيانات أجهزة الشرطة، وبهذا تنبه عناصر الشرطة إلى أنماط ارتكاب الجرائم أو تشابه الأدلة أو أطراف الجريمة.

ولتحقيق هذا الهدف طور وونغ نظام “فالكري”، للتحليل البصري في مجال البحث الجنائي. ويقول يونغ إن هذا النظام يستخدم الآن في تحليل بيانات فعلية من قاعدة بيانات الأجهزة الأمنية في أوروبا وقد يساعد في كشف ملابسات جرائم حقيقية بعد شهور من الآن.

لكن روث مورغان، خبيرة في الطب الشرعي بجامعة كوليدج لندن، تنبه إلى أنه لن يكون من السهل التثبت من استنتاجات الذكاء الاصطناعي، إما لأنه ملك خاص لشركات بعينها قد لا ترغب في إفشاء أسرارها، أو لأن الجهاز معقد إلى حد يستحيل معه إثبات استنتاجاته، وهذا قد يعوق استخدام هذه التقنيات على نطاق واسع.

قد يصبح الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في مكافحة الجريمة من خلال مساعدة الشرطة في الكشف عن الأنماط والروابط بين المعلومات المسجلة في قواعد بيانات أجهزة الشرطة
وتعمل مورغان على تطوير نظام لتحليل الصور بإمكانه حصر عدد الجسيمات المجهرية التي عُثر عليها في نعل حذاء المشبه به، مثل بقايا طلق ناري أو حبوب لقاح، لتحديد الفترة التي كان فيها المشتبه به موجودا في منطقة معينة.

وتقول مورغان إن الذكاء الاصطناعي قد يصور هذه الجسيمات ويعدّها في ساعات، في حين أن الطبيب الشرعي قد يعكف أسابيع أو شهورا على عدها.

وفي مجال الطب الشرعي، قد تغير هذه الآثار الدقيقة مجرى التحقيقات تماما، حيث يكون لتحليل الحمض النووي على سبيل المثال أثر كبير في مجال التحقيقات الجنائية.

وقد طور مايكل مارسيانو وجوناثان أديلمان بمعهد الأمن القومي والطب الشرعي الأمريكي نظام “بيس”، لتقييم عدد المشاركين في الجريمة من العينات المأخوذة من مكان الحادث.

ويعتمد هذا النظام على خوارزميات تمكنت، بعد معالجة آلاف العينات التي تحتوي على بصمات وراثية، من تمييز العينة التي تحتوي على بصمتين وراثيتين لشخصين وبين غيرها التي تحتوي على ثلاث بصمات وراثية.

قد تساعد آثار حبوب اللقاح أو الطلقات النارية المأحوذة من نعل الحذاء في إثبات وجود المشتبه به في مسرح الجريمة
وعندما يبحث رجال الشرطة عن مفقودين أو قتلى، قد يعثرون في بعض الأحيان على شظايا عظام، وربما لا يتمكنون من مضاهاتها بعينة الحمض النووي. ولهذا يطور زين لي، المتخصص في علوم الحاسوب بجامعة ولاية لويزيانا، نظاما يجري مسح ثلاثي الأبعاد لبضعة شظايا من الجمجمة ويجمعها رقميا فيما يشبه تجميع قطع الأحجية غير المكتملة. وقد تدرب النظام، بعد معالجة عدة جماجم بشرية مختلفة الأشكال والأبعاد، على ملء الفراغات بمستوى معقول من الدقة.

كما طور زين لي خوارزمية عالجت صور آلاف الأشخاص للعثور على الوجه الأقرب لشكل الجمجمة التي أعاد النظام تشكيلها. إذ يقوم النظام بتركيب آلاف النماذج ثلاثية الأبعاد لكل جمجمة مجهولة الهوية، ثم يختار من بينها النموذج الذي يطابق شكل الجمجمة تماما.

وفي حالة وجود اختلاف بين النموذج ثلاثي الأبعاد للوجه وبين الجمجمة، يصحح النظام الفوارق ويعدل النموذج حتى يطابق ملامح وجه المجني عليه المحتمل.

قد يكون من الصعب التعرف على هوية الجثة من شظايا العظام، لكن ثمة طرقا جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإعادة تشكيل وجه الضحية من بقايا جمجمته
ولا تزال هناك تساؤلات حول مدى دقة هذه التقنيات على المدى الطويل. صحيح أن الأنظمة المبنية على الذكاء الاصطناعي أثبتت أنها أسرع من الطرق التقليدية وأكثر كفاءة منها في التجارب محدودة النطاق، لكنها ستواجه اختبارا فعليا عند استخدامها في القضايا الحقيقية. إذ سيكون على الأجهزة الأمنية إثبات مدى مطابقتها للمعايير القانونية والأخلاقية قبل الإشادة بفوائدها في مجال التحقيقات الجنائية.

لكن البصمة الوراثية لم تصبح أدلة يعتد بها في المحاكم حول العالم بين عشية وضحاها. إذ لم تعترف بها المحاكم الأمريكية كدليل إدانة إلا بعد تسع سنوات من اعتراف المحاكم البريطانية بها. وتقول مورغان إن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسرع تحليل البيانات وتجميعها سيكون لها أثر كبير على التحقيقات الجنائية في غضون بضع سنوات.

وتضيف: “عندها سنتساءل ‘لماذا تأخرنا في تطبيقها’؟

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *