المولد النبوي بين العبادة والمصلحة والبدعة

بقلم الأستاذ الشيخ سفيان ابو زيد

الاحتفال في اللغة يأتي بمعنى الاجتماع والاهتمام والقيام بالشيء ويتعدى بالباء واللام، وهو فعل مباح في الاصل ويأخذ حكم المحتفل به أو لأجله…
والباء في (بالمولد) باء سببية أي سبب الاجتماع والاحتفال هو (المولد النبوي الشريف)
ومن هنا نفهم أن الاحتفال فعل فطري جبلي ونحن نعلم بأن الشرعيات لا تتعلق بالجبليات من حيث الإيجاد والاعدام لذاتها ولكن تتعلق بها من حيث الدوافع والتوجيه والتهذيب
والاحتفال فعل له دوافع وتعلقات
منها الفطري المشاعري العاطفي
ومنها التعبدي التوقيفي
فالفطري كاحتفال النبي صلى الله عليه وسلم بيوم الاثنين صياما لانه يوم ولد فيه وإن صار تعبديا في حقنا…
وكاحتفاله بصيام يوم عاشوراء لانه يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام وإن تعبديا فيما بعد…
ويدخل تحته كل ألوان الاحتفال التي لها دافع فطري أو مشاعري كالاحتفال بميلاد الاولاد أو ميلاد الشخص والاحتفال بالاعياد الوطنية والاحتفال بالأيام الدولية أو العالمية أو الوطنية…
واحتفال تعبدي وهو ما حدده الشرع من يومي الفطر والأضحى وعلق به عبادات خاصة سابقة ومرافقة.

ونحن هنا لا نناقش ثبوت مثل هذا الاحتفال عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عدم ذلك، فنحن متفقون على أنه لم يثبت ولكنه لا تطابق بين الثبوت والمشروعية، فكل ثابت مشروع -أي محكوم عليه بالشرع – وليس كل مشروع ثابت…
ولو اعتبرنا الاحتفال أمرا توقيفيا لما جاز لنا أن نجتمع أو نحتفل إلا بعد أن يثبت ذلك مأثورا في الشرع، ولا أظن أن هناك قائلا بهذا…
وفي ذلك حرج وتضييق لواسع وحمل للناس على الشدة…
فسنحرم أي اجتماع أو احتفال نقيمه في مسابقات حفظ القرآن أو السنة أو مهرجانات الاحتفال ببعض القيم والأخلاق أو ببعض الأحداث والذكريات التاريخية…فلا يخفى ما في ذلك من التشدد والحرج…

وإن اعتبرنا الاحتفال أمرا مصلحيا معقولا، خضع إلى النظر والاجتهاد والحاجة وحكم المحتفل به أو له…

ومن هنا نفهم بأن الاحتفال بأمر أو بذكرى أو بحدث أمر اجتهادي تضبطه المصلحة أو المفسدة الخاصة أو العامة.

فتحديدنا ليوم أو أسبوع أو شهر خاص بالتذكير بقيمة من القيم أو ذكرى من الذكريات أو حسب الحاجة أو المصلحة فهذا أمر مطلوب مرغوب سني لا مرية فيه ولا تردد
شريطة أن لا يكون المحتفل به مفسدة أو محرما…
وشريطة ألا يرافق ذلك طقوس تعبدية معينة…
وشريطة ألا يكون ذكرى أو عيدا تعبديا في شريعة أخرى…

ولا توقيف في طريقة الاحتفال مادام لم يدخل في محظور أو فيه محظور..

ويدخل تحت هذا، الاحتفالُ بذكرى المولد النبوي الشريف التي لا يليق بمسلم ان يمر عليه حدث كهذا وهو غافل عنه…

ستقول لي: لو كان خيرا لسبقونا إليه، أو لماذا لم يحتفل به الصحابة ودواعي الاحتفال كانت موجودة؟
سأقول لك: بعد ان اتفقنا بأن الاحتفال أمر مصلحي، فإن الصحابة لم يجدوا مصلحة حينها في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه كما وجدوا ذلك في جمع المصحف وجمع السنة وغير ذلك من الأمور التي أحدثوها وأبدعوها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المصالح…نظرا إلى حاجتهم لها والمصلحة التي فيها دون أن تخالف أصلا شرعيا…
فكذلك الأمر بالنسبة لنا في هذا الحدث المبارك وفي غيره…

أما كونه من باب العادة والدعوة وليس من باب العبادة كما يقول بعض أهل العلم…
هذا فيما يخص قصد الاحتفال والاعتقاد في الاحتفال…
أما دخوله في عموم العمل الصالح الذي يثاب عليه الشخص فهذا لاشك أنه مرجو بالشروط الثلاثة المذكورة سابقا…

والذي ينبغي علينا هو أن نتبنى هذا العمل الصالح وأن نطهره من كل ما علق به من البدع والعبث والمخالفات الشرعية وأن نوسع دائرة الاحتفال به زمانا ومكانا وأن نؤسس له مؤسسات تقيم دورات ومسابقات ومهرجانات طيلة السنة للتذكير بأسرار ذلك المولد ومصالحه على جميع المستويات على المستوى الديني والقيمي والفكري والتاريخي والسياسي والتربوي والحضاري والفني…

عندها سيصبح لذكرى المولد ضرورته وثمرته التي تنقل الأمة نقلة نوعية في جميع المجالات، وسينظر إلى هذه الذكرى من الأعداء والخصوم والمتلاعبين بحذر واهتمام…
والله أعلم.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *