فما ظنكم برب العالمين

قال الله تعالى في الحديث القدسي “أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء” [صحيح الجامع رقم (4316)] ..
أي: إن كان ظن عبدي أن أغفر له فسأغفر له، وإن ظن أني سأقبل توبته فسأقبل توبته، وإن ظن عبدي أن أجيب دعوته أجبت دعوته .. فلترجو وتأمل في عفوه سبحانه وإياك أن ييأسك الشيطان من رحمة الله .. فهذا سوء الظن بالله ..

تذكر دائمًا أن لك ربًا كريمًا جوادًا .. رحيمًا بعباده .. ونحن وإن كنا نذّم أنفسنا ولا نحسن الظن بها،

ولكن لنا رب برّ رحيم يغفر الذنوب ويعفو عن كثير

فما ظنك برب العالمين؟؟

وسوء الظن بالله يتمثل فى:
1) اليـأس والـقـنـوت .. أن تيأس من رحمة الله وتظن إنه لن يغفر لك .. يقول الله عز وجل في الحديث القدسي “يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي” [رواه الترمذي وحسنه الألباني] ..

2) اعتقاد أن الله لن يثيب المحسن ويُعاقب العاصى .. فربك عادل لايمكن أن يساوي بين مُحسن طائع وبين مسيء عاصي، قال تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ..

3) اعتقاد أن الله لا يقبل تضرع من دعاه .. فالله يقبل دعاء كل أحد ولكن القبول على مراتب؛ إما أن يعجل بالإجابة أو يكفّر عنه بها سيئات أو يدخرها له ليوم القيامة .. و عندما يرى العبد الهدية يوم القيامة يتمنى لو أن كل دعائه لم يُعجل إجابته فى الدنيا .. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

4) إن تظن أن الله لن ينصر دينه وأولياؤه وأن أعداء الإسلام سيظلون يتسلطون علينا طوال العمر وأن المسلمين لن يروا العزّ والتمكين أبدًا .. ولكن ظننا بالله أن يرحمنا فالله أرحم بنا من أمهاتنا وأبائنا.

وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله “لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد” [متفق عليه] .. أي إنه إذا علم المؤمن العقاب الذي عند الله فلن يطمع أن يدخل الجنة بل سيكون أقصى طمعه فى البعد عن النار، ولكن رحمته سبقت غضبه سبحانه حتى إن الكافر لو علِم رحمة الله ما يأس من أن ينال جنته.

لماذا نُحسن الظن بالله تعالى؟

1) حُسن الظن بالله واجب .. عن جابر قال سمعت رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله” [رواه مسلم]

2) نحسن الظن بالله حتى نتعبده بأسماءه وصفاته الجميلة .. قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] وأغلب الأسماء هي صفات جمال، مثل: العفو والجود والكرم وغيرها من صفات الجمال .. فجانب الرجاء أعظم من جانب الخوف، لذا يجب أن نُحسن الظن بالله .. قال “إن عبدا أصاب ذنبا فقال رب أذنبت فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا فقال ربي أذنبت آخر فاغفر لي، قال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم أصاب ذنبا فقال رب أذنبت آخر فاغفر لي، قال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء” [صحيح الجامع رقم (2103)]

3) لأننا موقنون بصدق وعد الله .. يقول الله عز وجل {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة:9] … ولأننا موقنون أن الله سيُمكننا فى الأرض فقد قال الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]

4) لكى ندخل جنة الرضا .. فالقلوب مليئة برواسب من الذنوب والتربية الخاطئة، التي تقطع ما بينك وبين الله .. ولا يوجد لها ترياق سوى حُسن الظن بالله .. أن تُحبه وتُحب قربه وتتعرف عليه برحمته وكرمه وفضله، فتدخل جنة الرضا .. قال رسول الله “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا”[رواه مسلم] ..

ولكن هناك فرق بين حسن الظن والغرور، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .. قال تعالى {.. فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .. بعكس المغرور وهو الذى يقع في المعاصي ولا يفعل الطاعات ويقول سيغفر الله لي ويتوب عليَّ.

وإن أحسنت الظن بالله ستصير أكثر ثقةً فيه وإنه لن يُضيعك وستتوكل عليه وحده ولن تسأل غيره .. واعلم أن كل المشاكل التي تواجهك على الطريق إنما هي إبتلاء من الله سبحانه وتعالى، لكي يُطهر قلبك وليعلم صدق توبتك ومدى صبرك .. قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت] .. ومع كل بلاء عليك بهذا الدواء، حُسن الظن بالله،،

ومن أحسن الظن بالله، كان دائم الخوف من البُعد عنه سبحانه وتعالى ..

كلما حسن ظن ( الإنسان) حسن عمله ، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز ، كما في الحديث ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ،وتمنى على الله ) ابن القيم.

فاللهم لا تحرمنا من لذة قربك ولا تحرمنا منك ومن طاعتك ومن حلاوة الإيمان.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.