استقالة الشيخ الدكتور الريسوني درس…

درس لكل عالم ولكل معتل لمنصب، أيا كان علميا، سياسيا، إداريا..

هو الحرص الدائم عن الفصل والتمايز بين شخص العالم ومنصبه، فطول الوصف يؤدي إلى الذوبان والامتزاج والاختلاط وصعوبة الفصل أو التخلي والانفكاك..

وهذا الحرص لا يستطيعه إلا من وفقه الله وألهمه، وكان ذا صدق عميق، ومراقبة ومحاسبة مواكبة، فالمناصب مثالب، ولها مكر الثعالب..

فكم من مستشرف لمنصب يطمح إليه بأي ثمن وبأي وسيلة وتحت أي عذر أو تسويغ أو تبرير…

وكم من مكلف بمسؤولية أو منصب، قد اعتلاه، وتمكن منه وأصبح جزءا من كيانه وعضوا من أعضائه، يصعب بل يستحيل بتره، خاصة إذا أخذ موقع القلب..

فهذه الاستقالة درس لكل معتل أن احرص على ذلك الفصل ولكل مستشرف: أنْ مع كل تشريف تكليف..

درس للاتحاد، ولكل هيئة أو مجمع أو اتحاد، في مدى حرصه على:

محاولة الاستقلالية، وعدم التأثر أو التناغم أو الاعتداء أو الاستقطاب أو الركون في أي قضية حقة، الظالم فيها بين والمظلوم فيها بين، والثابت فيها واضح، وفي أي قرار أو موقف يستدعي ويستوجب ويستلزم تلك الاستقلالية..
فالاستقلالية واي موقف حاسم، لا يظهر وقت الرخاء والخطب والتنظير، وإنما يظهر وقت الاحتكاك والاختبار..

الاطلاع على قضايا المسلمين، فمن المعيب أن يكون لنا اطلاع ودفاع في قضايا مسلمي المريخ!! ولا اطلاع لنا بل هناك جهل بقضايا الأقارب وأبناء الجلدة من العرب والمسلمين، فإذا كانت هذه مشكلة المشارقة عموما بخصوص قضايا المغرب، فلا ينبغي أن يرضى بها العلماء والدعاة والمصلحون!!
فهذه الاستقالة فتحت الباب أمام الاتحاد ليطلع على قضية الصحراء المغربية، تاريخيا وشرعيا وواقعيا، إن كنا دائما مع القضايا المظلومة، ومع الوحدة..

الحرص على حرية أعضائه، والدفاع عن أي ظلم أو كذب أو تشويه مورس عليهم، وعدم العنصرية في ذلك أو التمييز، لا انتظار السقوط في الشباك!!
فبالحرية تكون الاستمرارية، وبذلك الدفاع يكون المزيد من العطاء، وتكون المصداقية والتصادق..

أما ما أريكم إلا ما أرى، والاستقطاب المريدي، والاستسلام للضعوط المستعلية الظالمة، وتقديم كباش الفداء، والإرضاء والاسترضاء، فطريق ذلك قصير، وإلى الهاوية والانتهاء يسير..

درس لكل طالب علم أو مشروع عالم، أن احرص على حريتك، ولا تلي مسؤولية إلا دفعا وتكليفا، وإياك والكبر، والاستكبار والمراء وإن كنت محقا، واحرص على طهارة السريرة والاستعداد للرحيل مهما طال المقام، فأنت من يصنع المنصب ويزيده ويطوره، ولا تكن صنعة للمنصب..واثبت على مبادئك وثوابتك وإن كان في ذلك تأخيرك وتنحيتك..

درس في نوع نادر من الأخلاق، لا يستطيعه إلا الشجعان الموفقون، الملهَمون الملهِمون وهو شجاعة التنحي، وشجاعة تقديم مصلحة الوحدة على مصلحة السدة، فهؤلاء في الناس قليلون، وفي العلماء نادرون، حري بالجمع التشبث بهم، والاستلهام منهم، واستخبار مخبرهم، وتدريس منهجهم..

درس لكل من تجاوز أو تكالب أو دفع أو ضغط أو رغب أو ساهم أو انتظر ظلما هذه الاستقالة التي كانت مرغوبة عند صاحبها، بل المستقال منه كان عبئا ثقيلا، يرجو منه خلاصا، يجب على أولئك، أن يراجعوا أوراقهم، ويتوبوا إلى ربهم، ويعدلوا ذلك المسار، الذي لا يؤدي إلا إلى الخيبة والشنار، وفقد المصداقية والاعتبار..

لقد سبق أن كتبت عند تكليف فضيلة شيخنا الريسوني حفظه الله بهذه المسؤولية مقالا بعنوان (غدا البزوغ نبوغا) وها نحن نشهد لونا من ألوان ذلك النبوغ الذي لا يستطيعه إلا الموفقون الملهمون..

هذا نزر يسير من دروس تلك الاستقالة، إلى مقال آخر ودروس أخرى..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

تحذيرات من استمرار التجويع بغزة وسوء التغذية يفتك بالأطفال

حذر برنامج الأغذية العالمي من استمرار المجاعة في قطاع غزة، مشيرا إلى أن سوء التغذية الحاد يسير بوتيرة قياسية بين الأطفال نحو عتبة المجاعة.