عمر الشغري قصة معتقل سوري في سجون الأسد

معتقل سابق يروي قصة اعتقاله
بعيداً عن أصوات القذائف وحمم الطائرات، ووراء غرف المفاوضات حيث لا تصل أصوات السجال السياسي، تستمر واحدة من أكبر مآسي الشعب السوري، مأساة عمرها 40 عاماً، لكنها تعاظمت تماماً في السنوات الخمس الأخيرة، عرف العالم جزءاً منها، وما تزال خفاياها الأخرى محبوسة حيث تتواجد برك الدم تحت الأرض وفوقها، هنالك في العالم المظلم، “عالم الفروع الأمنية في سورية”.

قبل أن أقابل عمر، لم أكن أعرف سوى أنه زار 11 مكاناً مخصصاً للاعتقال في سورية، مكانان منهما يعرفهما السوريون جيداً، فرع الأمن العسكري، وسجن صيدنايا، كنت أود من البداية أن أسأله “كيف نجوت؟”.

عمر أحمد الشغري شاب سوري من مدينة بانياس، من تلك القرية التي تصدرت في الشهر الرابع من العام 2011 عناوين الكثير من الصحافة العربية، هي قرية البيضا، التي داس جنود نظام الأسد على رؤوس شبابها، هاتفين: “الله، سورية، بشار وبس”. عند الحديث مع عمر عن بانياس، يحدثك عن عشرات الشباب الذين قضوا في المجازر التي حصلت بالقرية، ومنهم والده أحمد، وأخويه محمد وعثمان.

اعتقل عمر في 16 من ديسبمر/ كانون الثاني 2012 وبقي معتقلاً عامين و8 أشهر. اقتيد إلى مفرزة الأمن العسكري في بانياس، مع اثنين من أبناء خالته، وهما بشير حذيفة، ورشيد حذيفة، اللذين توفيا جراء التعذيب، بالإضافة إلى ابنة خالته التي نجت. لم يكن هنالك من سبب للاعتقال، سوى أن قوات الأمن أرادت في تلك الفترة تفريغ قريبة البيضا من الشباب، وفقاً لما قاله عمر.

تعرض عمر لشتى أنواع التعذيب التي قد تخطر على بال البشر أو التي لم تخطر، وفي ذاكرته شهادات عن انتهاكات وعنف مفرط مورس على المعتقلين، عندما يتكلم عنها عمر يغوص في تفاصيلها ناقلاً لك صوت آهات المعتقلين في غرف التعذيب.

استقبال على الطريقة الأمنية

وطأت أقدام عمر مدخل فرع الأمن العسكري في طرطوس، استُقبل من قبل العناصر بالضرب المبرح على كافة أنحاء جسده. يعلم عمر نتيجة اعتقاله أكثر من مرة أن الخطوة الأولى على طريق إهانة المعتقل تجريده من الملابس، والوقوف عارياً أمام السجانين وهم يتفحصون جسد المعتقل والتأكد من أنه لا يحمل أدوات حادة لمنعه من الانتحار.

يتحدث عمر عن الحالة النفسية التي يعمل السجانون على تحطيمها مع الساعات الأولى لوصول المعتقل. أدخل عمر وأبناء خالته إلى الزنزانات المنفردة، ويقول إن “الزنزانة عبارة عن مساحة صغيرة لا تتجاوز المترين، مقسومة في المنتصف بحائط، وفيها بطانية مهترئة، والكثير من الفئران، يجلس المعتقل فيها بجوار الحفرة الصغيرة التي يُفرغ بها فضلات الجهاز الهضمي”.

يزداد الوضع صعوبة في هذه الزنزانات عندما يزج فيها المعتقل مكبل اليدين وراء الظهر، بـقيود حديدية حادة تعرف في سورية باسم “الكلبشة”، حيث لا يستطع المعتقل الاستلقاء أو الجلوس.

التحضير للتحقيق

في فترة التحضير لـ”جلسة التحقيق يتعرض المعتقل السوري لمجموعة من المواقف التي تجعله ينهار قبل الوصول لغرفة المحقق”، يقول عمر، ويضيف: “أخرجونا من الزنزانات الانفرادية إلى أحد الممرات، ظننا أننا ذاهبون إلى التحقيق، وطوال وقوفنا كنا عرضة للضرب بعصي الكهرباء، والهراوانات من قبل السجانين”.

بقي عمر وأبناء خالته في الممر قرابة 18 ساعة، ويصف ما سمعه في ذلك اليوم بالقول: “كنا نسمع أصوات التعذيب من الغرف المجاورة لنا، كنا نسمع بكاء المعتقلين بسبب تعرضهم لعقوبة الشبح، سمعت معتقلاً يقول للسجان أرحني من الشبح وسأتحدث كما تريد”. ويشير عمر أن “الهدف من إسماعنا لهذه الأصوات كان القول لنا إن مصيرنا كمصير هؤلاء”.

ويعرف “الشبح” في المعتقلات السورية، بأنه أسلوب تعذيب يقوم على تعليق المعتقل من يديه ورفعه عن الأرض بحيث يصبح ثقل الجسم بأكمله متركز في اليدين المعلقتين.

في غرفة المحقق

أعيد عمر إلى زنزانته المنفردة وفي صباح اليوم التالي اقتيد إلى غرفة المحقق، سأله الأخير مباشرة “ما السلاح الذي تحمله، كم ضابط في الجيش قتلت؟، يقول عمر إن الأسئلة كانت صادمة بالنسبه له، أجاب الضابط: “عمري 17 عاماً لا أستطيع حمل السلاح، ولا ممارسة القتل”.

في المعتقلات السورية لا يمكن للمعتقل أن يدخل غرفة التحقيق ولا يدلي بـ”اعترافات” سواء كانت صحيحة، أو يختلقها المعتقل لتخفيف العذاب عليه، اضطر عمر إلى اختلاق قصة بعد تعذيب مرير تعرض له.

ومن بين الأساليب التي أجبرت عمر على الاعتراف بأمور لم يقترفها، تعرضه للصعق الكهربائي، ويقول في ذلك: “بعدما رفضت الاعتراف جاء الضابط وقال لي (هلأ منتفق) وبدأوا يرشون الماء على جسدي، ويشعلون الكهرباء. أتى المحقق بمادة رائحتها تشبه رائحة المعقم (السبيترو)، وضع المادة على قطنة ورسم في منتصف رقبتي إشارة تشبه حرف x باللغة الانكليزية، وأشعل التيار الكهربائي”.

لا يعرف عمر ماهية هذه المادة، لكنه قال “ما شعرت به كان أشد ألم ممكن أن أتخيله في حياتي، ألم جعلني أشعر أنني في كوكب آخر، لم يعد بمقدوري تحريك لساني، كنت أود أن أقول له توقف وسأقول ما تريد، لم يحصل ذلك لأنه أغمي عليّ من شدة الألم”. استسلم عمر للألم واعترف مدعياً أنه كان بحوزته سلاح “بانباكشن”، لكنه لم يعترف بأنه قتل أحداً.

تسبب اسم عمر لصاحبه بالمزيد من المتاعب، نظراً للحقن الطائفي الذي تشهده الفروع الأمنية ضد المعتقلين، ويسرد عمر ما حصل معه في الأمن العسكري بطرطوس: “أحد العناصر سألني ما اسمك، ومن أين أنت، ومن أي عائلة، قلت له اسمي عمر، من بانياس، قرية البيضا، قال لي العنصر، بالنسبة لاسم العائلة واسم القرية لا مشكلة، أما إن اسمك عمر فهذا يجلعني أقسم بأنك لن تخرج حياً من المعتقل”.

قبل أن ينتقل عمر إلى فرع الأمن العسكري بدمشق، كان يؤرقه الحالة الصحية لابن خالته بشير، إذ تعرض لضرب مبرح أثناء التعذيب، وكان عمر قد القتى بشير بعد نقلهما لزنزانة جماعية. حال بشير قبل الاعتقال ليس كما بعده، فقد وصل إلى الزنزانة الجماعية وأضراسه قد تكسرت، والجروح في جسده مفتوحة بأداة تدار بها المسامير اللولبية، حسبما قال عمر.

و القصة لم تنتهي و المأساة لم تنتهي ولا زالت السجون مليئة بأمثال عمر .

شاهد أيضاً

في رمضان المقاطعة وغزة غيرتا من خيارات استهلاك الأردنيين

دراسة _ نسبة 93_ من الأردنيين يشاركون في المقاطعة الإقتصادية