في سجون إسرائيل.. ما الذي تواجهه الأسيرات الفلسطينيات في العزل؟

تعيش عائلات 32 أسيرة، هن مجموع الأسيرات الفلسطينيات في سجن الدامون الإسرائيلي، حالة من القلق والخوف على مصيرهن.

لم تستطع والدة الأسيرة “شروق دويات” الرد علينا للحديث عن ابنتها ومصيرها في ظل تضارب المعلومات حول مكان عزلها، فالمعلومات التي وصلتهم في البداية كانت تفيد بنقلها إلى عزل سجن مجدو، ثم عزل جلبوع.

حالة من القلق والتوتر عاشتها العائلة بعد أنباء عن نقلها وممثلة الأسيرات لدى إدارة السجن “مرح باكير” للعزل كخطوة عقابية، ولكن ما زاد من هذا القلق أن هذه المرة الأولى لكل من باكير ودويات بالعزل الذي كان خارج سجن الدامون المخصص للأسيرات، وفي أقسام للجنائيين الإسرائيليين الرجال.

هذه الأنباء -التي ترد للمؤسسات المتابعة لقضايا الأسرى والأسيرات بالسجون عن الأوضاع في سجن الدامون- كانت صادمة عندما كشفت بعض التفاصيل الاعتداء على الأسيرات التي رافقن “قعدان”. فعلى مدار سنوات من المتابعة كانت هذه الحملة الأصعب، كما يقول مدير نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس.

ويضيف فارس للجزيرة نت “حتى عصر اليوم كنا نعتقد أن ما يجري في السجون هو خلاف بين إدارة السجون وممثلات الأسيرات، لكن تفاصيل القمع التي وصلتنا أفادت باقتحام غرف الأسيرات وسحلهن والاعتداء عليهن بالضرب ومنعهن من الحمام لأيام ونزع حجابهن، هذه ممارسات غير مسبوقة”.

ومنعت إدارة مصلحة السجون المحامين من زيارة الأسيرات، وهو ما جعل التواصل معهن لمعرفة حقيقة ما يجري صعبة للغاية.

وبحسب فارس فإن عمليات القمع بدأت عندما رفضت الأسيرات نقلهن لإعادة توزيعهن على غرف السجن بحسب رغبة الإدارة، حيث من المتعارف عليه في السجون أن تقوم الأسيرات بتوزيع أنفسهن بحسب التنظيمات، وهو ما جعل الإدارة تقوم بعملية اقتحام الأقسام بشكل مفاجئ، وعلى غير المتعارف عليه حيث تم تنفيذ عمليات اقتحام من جانب سجانين من الرجال.

وخلال عملية الاقتحام، قطعت إدارة السجن خدمة الكهرباء عن أقسام الأسيرات، وقامت بالاعتداء الجسدي عليهن مما أدى لإصابة عدد منهن بإصابات متفاوتة، إلى جانب نقل الأسيرات الثلاث للعزل.

وبحسب فارس، فإن إدارة مصلحة السجون أبلغت الأسيرات بحل القيادة التمثيلية لهن، وبأنه بعد عودة ممثلات الأسيرات من العزل لن يتم التعامل معهن، وهو ما يمثل “سابقة خطيرة”.

واعتبر ما يجري محاولة فرض أمر واقع وترتيبات جديدة سعت إدارة مصلحة السجون منذ سنوات لفرضها على الأسرى ككل، والآن بدأت تنفيذها على الأسيرات باعتبارهن الحلقة الأضعف، وفي حال تمريرها ستفرض على باقي السجون.

وتابع “القمع لم ينته بعد، نتوقع مزيدا من العقوبات التي قد تشهدها أقسامهن خلال الأيام القادمة”.

العائلات تتابع الوضع بقلق
منذ أول أمس، تعيش عائلات 32 أسيرة، هن مجموع الأسيرات في سجن الدامون، حالة من القلق والخوف على مصيرهن، كما هو حال عائلة “قعدان” من بلدة عرابة شمال الضفة الغربية. والذي ضاعف هذا الشعور نبأ عزلها الذي وصلها في وقت متأخر.

ليس هذا الاعتقال الأول لقعدان، حيث سبق وأن اعتقلت في أبريل/نيسان الماضي، ولا تزال موقوفة، كما لم يصدر حكم بحقها حتى الآن.

لكن عائلتها تستشعر خطورة ما يجري معها من تجربتها مع اعتقالاتها المتكررة 6 مرات، قضت خلالها 8 سنوات سابقة في السجون.

وفي حديث مع الجزيرة نت، عبر شقيقها محمود عن خوف كبير على مصيرها، وخاصة أنه لا معلومات عن مكان عزلها حتى الآن.

وتابع “قعدان” أن شقيقته اعتقلت وعزلت في السابق أكثر من مرة، لكن هذه المرة تخطت إدارة السجون كل الخطوط مع الأسيرات، مع حجم القمع الممارس عليهن وهو ما يزيد من قلق العائلة على مصيرها.

ويستدل على ذلك بتحويل الأسيرات مباشرة إلى العزل. فعادة يتم عزل الأسير أو الأسيرة بسبب، كإعلان الإضراب كما جرى مع شقيقته فترة اعتقالاتها السابقة.

وتستذكر الأسيرات المحررات تجربة العزل بأنها الأصعب خلال فترة اعتقالهن بالكامل، كما تقول المفرج عنها قبل أسبوعين أمل طقاطقة نائبة ممثلة الأسيرات السابقة، وهي من محافظة بيت لحم.

تقول طقاطقة للجزيرة نت إن وضع الأسيرات كان سيئا للغاية قبل الإفراج عنها، فمصلحة السجون تقوم الفترة الأخيرة بجملة من الممارسات الاستفزازية بحق الأسيرات، آخرها الاعتداء على إحداهن خلال نقلها بالبوسطة، وعدم قبول طلب ممثلات الأسيرات بالحديث مع الإدارة.

وتابعت “كان متوقعا التصعيد في السجون لكن ليس إلى هذا الحد. فخلال سنوات اعتقالي لم يسبق أن تم نقل أسيرة للعزل خارج سجن الأسيرات إلا فترة التحقيق، وحتى العزل يكون بسبب”.

وقد عزلت طقاطقة مرتين خلال سنوات اعتقالها عام 2016، المرة الأولى 7 أيام والثانية 4 أيام، في عزل سجن الدامون الذي لا يبعد عن أقسام الأسيرات.

وتصف غرفة العزل بأنها لا تتسع إلا لـ “برش” تنام عليه الأسيرة، ومساحة حوله لا تتعدى 30 سم فقط، وإن كان حظ الأسيرة جيدا يكون داخلها حمام. وهذه الغرفة تكون مراقبة بالكاميرات، وخلال الوجود في العزل لا تتم مراعاة لأي خصوصية لها، كما يكون التفتيش بشكل مستمر.

وطوال فترة العزل، يكون التعامل مع الأسيرة وفق مزاج السجان، بالسماح بإدخال ملابس أو توفير ما يلزمها من أغراض خاصة خلال الدورة الشهرية تصل أحيانا بحرمانها من الحمام.

العزل خارج الزمن
عزل طقاطقة كان إجراء عقابيا، ولكن أحيانا يكون العزل خلال التحقيق، وهو الأصعب كما تقول الأسيرة المحررة ميس أبو غوش التي تعرضت للعزل 5 أيام خلال فترة تحقيق امتدت لشهر كامل بالمسكوبية، بعد اعتقالها نهاية أغسطس/أب الماضي.

تستذكر أبو غوش، وهي من مخيم قلنديا القريب من مدينة القدس المحتلة، الأيام الخمسة هذه بأنها أصعب أيام اعتقالها، حتى أنها أصعب من التحقيق العسكري والتعذيب الذي تخلله، وتقول “كنت أتمنى خلال أيام العزل أن أعود للتحقيق كي لا أبقى بالعزل”.

تقول أبو غوش للجزيرة نت “نقلت للعزل بعد التحقيق العسكري، كانت الرضوض والأوجاع في جميع جسدي ولم يتم تقديم العلاج لي. أدخلت إلى غرفة صغيرة جدا، بالكاد تتسع للفرشة التي أنام عليها، حتى إن مياه الحمام (المجاري) تصل لأطرافها، وفي تلك الغرفة لم أكن قادرة على تمييز الوقت والليل من النهار”.

غرفة العزل مدهونة باللون الرمادي، وكانت خشنة الملمس جدا تؤذي أبو غوش حين تستند إليها، وإضاءتها قوية جدا لا تسمح لها النوم، وكانت تترك لأيام بدون طعام، وعندما تجوع تنادي على السجانين لكن لا يسمعها أحد، فتقوم بكسر “قطعة طوب” من طرف الحمام وتقوم بدق جدران الزنزانة دون جدوى.

هذه الفترة، وكي تحافظ على توازنها الذهني، عمدت أبو غوش للكلام مع نفسها ساعات بصوت مرتفع، وكانت تتخيل أفراد عائلتها أمامها، وتغني وتحكي الحكايات “في تلك الزنزانة شعرت أنني خارج الزمن، وكنت أشعر بجوع شديد”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

غزة بين “عقيدة بايدن” وخطة نتنياهو

بعيدًا عن تداعيات قرار مجلس الأمن الذي صدر أخيرًا، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، والشرخ الذي أظهره في العلاقة بين الإدارة الأميركية، وحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، يحسن بنا أن نعود خطوتَين إلى الوراء لمحاولة فهم طبيعة ذلك الخلاف.