(اللهم بك) باء تجلت بكل معانيها..

الحلقة الرابعة

من معاني الباء البدلية:
وهي التي يحسن في موضعها (بدل) كما جاء في الحديث(ما يسرني بها حمر النعم) أي بدلها.

فما مكمن البدلية في هذا المقام (اللهم بك) ؟

إذا طبقنا طريقة الباء البدلية باستبدالها بكلمة (بدل) في هذا المقام فسنحصل على الآتي (اللهم بدلك) كما في المثال السابق ما يسرني بدلها حمر النعم..

وهذا في الظاهر لا يستقيم فكيف يطلب بدل الله تعالى!! والله عزوجل هو المقصود في هذا النداء والدعاء؟؟

ولكننا إذا وقفنا عند الإضافة (بك) سنجد بأن الإضافة تاتي بمعنى (من) إذا كان المضاف لا يصح منه الملك تقول (باب المسجد) أي من المسجد أو بمعنى الملك إذا كان المضاف يصح منه الملك فتقول (كتاب التلميذ) أي ملكه..

وهنا الضمير (الكاف) يعود إلى الملك المالك ومالك الملك سبحانه فتكون الإضافة بمعنى الملك، أي اللهم بدلا تملكه، أو بدلا هو لك..

ولو قدرنا المعنى الآخر للإضافة لاستقام المعنى أيضا التبعيض يدل على الأصل والمنشئ لما تقول (حبة قمح) فأصلها من القمح، فكذلك هنا، فقولك اللهم بك، اي اللهم بدلا منك، يعود إليك..

ومن سنن الحياة التدبل والتدبيل والاستبدال، سواء في المادة او في المعنى، هذا التبديل منه فطري قدري لا دخل للإنسان فيه، كتبدل الليل والنهار، وتبدل الصفات الخِلقية من طفولة إلى فتوة إلى شباب إلى كهولة إلى شيخوخة إلى هرم..

وهذا التبديل أو التبدل يقع وقف حكمة قد ندركها وقد نجهلها..

أما التبديل الاختياري فهو الذي يسلكه الإنسان بإدارته واختياره بحثا عن الاصلح والأحسن والأريح، وهروبا من الأفسد والافظع والأسخط، وهذه العملية تشمل جميع المجالات، وتشمل حياة الإنسان كلها، من فكر إلى جسد إلى مال إلى واقع وحال إلى علاقة وهكذا، فمن حيوية الحياة التبديل، ومن علامات مخلوقيتها التبدل والتغير…

وهذا التبديل او اختيار البدل المناسب، أو الوصول إلى ذلك البدل الأنسب، يكون انطلاقا من عملية اجتهادية وتأملية واستشارية وخبرية وموازنة بين المصالح والمفاسد والسابق والحاضر والمستقبل، حتى تطمئن النفس إلى ذلك البدل..

إلا أن عملية الاختيار تلك، قد تكون قاصرة، او غير مستوعبة او محيطة، او غير مدركة لخبايا الأمور وحقائقها وأسرارها، غير مطلعة على مستقبلها، غير محتسبة لمفاجآتها..

عندها لابد من الالتجاء إلى قوة مطلقة حكيمة مطلعة رحيمة كريمة عليمة خبيرة لطيفة غنية قيومة، فنناديها ( اللهم بك )
أي اللهم بدلا تملك ناصيته، تعلم حقيقته فإنك تعلم ولا نعلم وتقدرولا نقدر أنت علام الغيوب..

واللهم بدلا منك يرجع أصله إليك، منطلق من مشكاة حكمتك وشرعك وخزائن فضلك..

ندع كل تلك البدائل وإن اغرتنا وسلبتنا وأخذتنا، ونستبدلها بالذي هو أدنى، فنترك الادنى والاقصر والابخس ونميل للذي هو خير وأحسن وأكمل.. فاللهم بك

ومن معاني الباء العوض والمقابلة:

وهذا المعنى لا يخرج عن معنى البدلية إلا من حيث جهة النظر..

فالبدل ينظر إليه من جهة الاختيار والتجريب والترجيح، أما العوض فقد تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة الاقتناع والاكتفاء والاستغناء، وشتان بين المرحلتين، فبعد أن اختار البدل وعرفه وعرف أصله، أيقن في ذلك الاصل، وفيما صدر عنه من بدائل فرأى فيها التعويض عن كل نقص، والاكتفاء بها عما سواها، فحصل له العوض فانتقل من البدلية إلى العوضية..

فبعد أن استخدم كل الأعواض، وظن عوضيتها واغتناءه بها، واكتفاءه بها، التجأ إلى المعوض الحقيقي والحصري سبحانه مناديا: اللهم بك..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.