هبّة النفق” الفلسطينية.. تفاصيل تدمي القلوب في منازل

القدس المحتلة- رغم مرور ربع قرن على استشهاد ابنها جواد لا يزال جرح عائلة البزلميط المقدسية غائرا ويأبى الاندمال، ومع حلول الذكرى السنوية لـ”هبّة النفق” الشعبية يتجدد الألم وتغرورق العيون بالدموع على فراق الشاب الذي كان يستعد لزفافه قبل أيام من استشهاده بالرصاص الإسرائيلي.

إلى حي “الثوري” في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى في القدس توجهت الجزيرة نت للقاء العائلة، وهناك تجمع الأب والأم و3 من أشقاء الشهيد.

كثيرة هي القصص التي ازدحمت في ذاكرتهم عنه، فهذا يذكر همته في المساعدة بأعمال الترميم والبناء لمنازل أشقائه، وذاك يتحدث عن تدين جواد وأخلاقه العالية التي جعلت له مكانة استثنائية عند والديه.

عبد الحليم البزلميط (والد جواد) بدا متماسكا مبتسما، لكنه تعمد عدم البقاء جالسا لفترة طويلة خلال الحديث عن تفاصل حياة جواد ويوم استشهاده.

مكالمة مشؤومة
بعد يومين من اندلاع ما عرفت بـ”هبّة النفق” (25 سبتمبر/أيلول 1996) توجه جواد ووالده إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة يوم 27 من الشهر ذاته، عاد الوالد وحده إلى البيت وجلس ليأخذ قسطا من الراحة، وبعد دقائق رن الهاتف ليعرف في “مكالمة مشؤومة” أن جواد من بين المصابين في المواجهات التي اندلعت مع الاحتلال بالمسجد الأقصى بعد انتهاء الصلاة.

هرعت العائلة إلى مستشفى المقاصد في جبل الزيتون بالقدس من أجل الاطمئنان على نجلها، وهناك -يقول الأب- “أخبرونا أن جواد مصاب، لكنه كان فعليا قد استشهد فور إطلاق رصاصتين عليه، إحداهما من نوع “دمدم” (رصاص متفجر) في الرأس، والأخرى في القلب”.

“إنا لله وإنا إليه راجعون”، هكذا رد الأب المكلوم على إعلان الطاقم الطبي استشهاد جواد، وقال “تعرفت على الجثمان، وفي ظل حالة من الفوضى بدأ الجميع حولي يحثونني على دفنه خلال دقائق قبل إقدام الاحتلال على اختطاف جثمانه واحتجازه أو تشريحه”.

تصغي زوجته عزيزة البزلميط بعناية لما يسرده عن واحد من أصعب الأيام التي مرت على العائلة، وكلما أغفل تفصيلة صغيرة تدخلت وصححته قائلة بل كذا وكذا.

استهلت الأم حديثها بوصف “صعوبة أن تذوق حسرة موت ابنها”، وأن خبر الاستشهاد “نزل عليها كالصاعقة”.

قالت “هرولت إلى مستشفى المقاصد، وهناك أخرجوا جواد من غرفة الإنعاش وقالوا إنه استشهد، لم أر ولم أسمع شيئا من حولي، وضعت رأسه على رجلي وبدأت بالدعاء له، وفجأة سحبوا الجثمان وسارعوا لدفنه”.

زواج لم يتم
كانت الأم تنتظر بفارغ الصبر أن تزف جواد لعروسه بعد أسبوعين بالضبط من تاريخ استشهاده، لكنها قالت “زُفّ إلى الحور العين، وزفت عروسه لشقيقه لاحقا”.

وأضافت “اشتريت له أغطية لسريره من الأردن هدية لزواجه، وها أنا أحتفظ بها في منزلي حتى الآن”. تصمت الأم ثم تنظر لأبنائها المستمعين بعناية ثم تقول لهم “الله يهنيه بالجنة يمّا”.

وجيه (الشقيق الأكبر لجواد) بدا الأكثر تأثرا بالتفاصيل، خاصة أنهما كانا يعملان معا في مرآب لتصليح السيارات، وقال إنه كان في ذلك اليوم على رأس عمله بينما عاد جواد مبكرا إلى المنزل ليغتسل ويتوجه إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، لكن اتصالا هاتفيا قيل خلاله “ابنكم جواد تصاوب” غيّر مجرى حياة العائلة بأكملها إلى الأبد.

يذكر وجيه تفاصيل دفن شقيقه قائلا “توجهنا في البداية لدفنه في بلدة السواحرة، لكن وصلنا خبر أن قوات الاحتلال تطوق المقبرة، فقال أحد الحضور إن قبرا جاهزا حُفر مؤخرا بجوار المسجد القديم في الثوري، وبالفعل توجهنا إلى المكان وتم دفن جواد فيه خلال لحظات”.

لم يتمالك وجيه نفسه وذرف دموعه وقال “نحن الآن 6 أشقاء، سابعنا رحل قبل ربع قرن لكننا نتذكره دائما، وفي العائلة عدة أبناء يحملون اسمه”.

هبّة النفق
في 25 سبتمبر/أيلول 1996 خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية بعد إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلية على فتح النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك -وهو نفق ضمن مبانٍ قديمة مشيدة في عصور مختلفة ومغطاة بالطمم بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ- وذلك في فترة حكم بنيامين نتنياهو الذي كلف رئيس بلدية الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت بافتتاحه.

وانطلقت المواجهات مع افتتاح النفق الذي هدد أساسات المسجد الأقصى ومعالمه التاريخية، وامتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها، وقتل الاحتلال الإسرائيلي -خلال تلك الهبّة التي استمرت لأيام وسميت “هبّة النفق”- 63 فلسطينيا، منهم 32 بالضفة الغربية والقدس، و31 في قطاع غزة، فيما أصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.