شكراً آل سعود!!

بقلم : بلال الطيب

عندما عَلِم الإمام أحمد يحيى حميد الدين بمقتل أبيه « فبراير 1948»، أرسل من فوره رسالة للملك عبد العزيز آل سعود يُعلمه بخطورة الثورة التي قام بها من يُسَمون بـ «الأحرار، والإخوان المسلمين»، وأن كلاهما خطر على العروش وعلى الـدين، مُستمداً منه النجدة والمؤازرة، وأنه سيكون له ابناً إذا رضي أن يكون له أباً.

وصلت مع وصـول الإمام أحمد مدينة حجة الدُفعة الأولى من النجدة السعودية «ذخيرة، ومال، وجهاز لا سلكي»، ورسالة من الملك عبد العزيز تطمئنـه وتحثه على خوض معركة صنعاء باستبسال، ووعد بالمساعـدة حتى آخـر نَـفـس وريـال، كما عمل الملك السعودي على إعاقة وصول وفد الجامعة العربية إلى اليمن، ليتيح لحليفه الإمام الجديد إسقاط الحكومة الدستورية، ونهب صنعاء، وهو ما كان.

في مذكراته قال المناضل أحمد محمد نعمان أن البدر أوفده من حجة إلى السعودية لحثها على التدخل، وحل الخلاف الذي حدث بين الأسرة الحاكمة، إثر انتفاضة «مارس 1955»، وأنه أبلغ الملك سعود باستنجاد الإمام أحمد به، فكان رد الملك بأنه سيجهز «10,000» مقاتل للمساعدة، وحين أتت الأخبار بإخماد تلك الانتفاضة، فرح سعود بذلك، وقال للنعمان: «أخي الإمام أحمد أنتصر على أعدائه، وخرج راكباً فوق حصانه وسيفه بيده».

في العام التالي، انضم الإمام أحمد إلى الحلف الثلاثي «المصري ـ السعودي ـ اليمني»، وبموجبه حصل على «3,000,000 » دولار من السعودية، اشترى بها سلاحاً من الاتحاد السوفيتي، في صفقه وقعها ولده البدر، وصار بذلك أكثر جبروتاً من ذي قبل.

نظم الإمام أحمد حينها قصيدة طويلة، رداً على جميل آل سعود تجاهه، جاء فيها:
ولا آلو لآل سعود شكراً
جميعهم فكلهم رعاني
بعطف أو بنصح أو بمال
كذلك سلاحهم دوماً أتاني
فقد كانوا معي دوماً كراماً
وكانوا العون إذا خطب عناني
ففيصل أو سعود خير جار
وفي عبدالعزيز الجود جاني

الإمام البدر هو الآخر عندما قامت الثورة ضده «سبتمبر 1962»، لم يكتفِ بإرسال رسالة أو رسول؛ بل نفذ بجلده صوب السعودية، وأعلن من حدودها وبمؤتمر صحفي أنه زاحف بمساعدة الأشقاء لاستعـادة مُلكه المَسلـوب، لتعلن المملكة بعد الثورة السبتمبرية بِشهر وسبعة أيام عن قيادتها لتحالفٍ داعم للإمـامة، مهمته القضاء على الانقلاب الجمهوري.

وفي نجـران استقرت القيادات الملكية، وأديرت العمليات العسكرية، كما تم تدريب بعض عنـاصر الجيش الملكي فيها وفي إيران، الـدولة التي أنظمت إلى ذلك التحالف فيما بعد، وقدمت للإمامين مساعـدات مالية وعسكرية مَهُـولة، بل وشارك بعض جنودها في المعارك، وتم أسر عدد منهم في حرض، وأعلن عن ذلك في حينه.

بعد ثمان سنوات من الحَرب، تـَذمر القـادة الملكيون من تَخلي السعودية عنهم، واتهم أحدهم ويدعى «الغادر» النظام السعودي بالجُبن، وأنهم كانوا يقاتلون دفاعاً عنه، وأن عبد الناصر كان يريد السعودية لا اليمن، الأمر الذي أثار غضب الأمير سلطان «مسؤول الملف اليمني»، وطرده من الاجتماع، ثم من البلد.

استسلم الملكيون حينها للأمر الواقع، ورضخوا للمصالحة الوطنية، التي رعتها المملكة وباتفاق غير مكتوب، نهاية «مارس» من العام «1970»، ليعترف الملك فيصل بعدها بأربعة أشهر بالنظام الجمهوري، بعد أن ضمن لأغلب القيادات الإمامية مناصبهم ونصيبهم في النظام الجديد، وأبقى أسرة بيت «حميد الدين» في ضيافته.

بعد الثورة الخمينية «1979» انتعشت آمال الإماميين في إعادة دولتهم، ليتوجه في العام التالي وفد رفيع من قبلهم إلى طهران، في زيارة ظاهرها التهنئة، وباطنها طموحات إمامية ستتبدى تباعاً، كان بدر الدين الحوثي أحد أبرز أعضاء ذلك الوفد، وقد كللت تلك الزيارة بولادة تحالف بصيغة جديدة ومختلفة، عنوانه: «توارى البدر، وعاد بدر».

كان ذلك الوفد برئاسة الشاعر أحمد الشامي، وقد قاده حماسه بعد نجاح تلك الزيارة لمخاطبة ولي عهد المملكة، الأمير فهد بن عبدالعزيز، بأبيات شعرية، مدلولها «لسنا بحاجة إليكم»، جاء فيها:
قل لفهد والقصور العوانس
إننا سادة أباة أشاوس
سنعيد الحُكم للإمامة إما
بثوب النبي أو بأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز ونجدٌ
فلنا إخوة كرام بفارس

تبعاً لذلك، تم في «ديسمبر1981» طرد السفير الإيراني من اليمن، بعد أن تبدى للحكومة نشاطه المعادي، ليبدأ النشاط التعليمي لـ «جماعة الحوثي» في العام التالي، حيث تشكلت على يد محمد بدر الدين الحوثي، وصلاح فليته نواة حركة «الشباب المؤمن».

عادت الإمامة الزيدية وبدعم إيراني إلى تمددها العسكري الكارثي، بقيادة حسين بدر الدين الحوثي «2004»، ومن بعده أخيه عبدالملك، اختطف الإماميون الجدد الدولة والأرض، وهددوا أمن حلفائهم بالأمس، لتقود السعودية هذه المرة تحالفاً داعماً للجمهورية، هدفه المُعلن القضاء على الانقلاب الحوثي، وهدفه الخفي القضاء على كل جمهوري وإمامي.

تاريخنا موصولٌ غير مقطـوع، وواقعنـا أكثـر غموضاً من مـاضين

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،