المناورة العسكرية بغزة.. دلالات التوقيت والمضمون (تحليل)

الأناضول

** خبراء ومراقبون، في أحاديث منفصلة للأناضول:
– أبو عامر: المقاومة تتحسّب لإمكانية شنّ إسرائيل عدواناً على غزة؛ استغلالاً لأيام ترامب الأخيرة
– أبو سعدة: المناورة تحمل رسالة تهديد لإسرائيل، في ظل استمرار الحصار على غزة وأزمة كورونا
– صحيفة “يديعوت أحرونوت”: حماس ترد على التهديدات الإسرائيلية ضد غزة بمناورة “ردع”
– عفيفة: المرحلة السابقة من العمل المنفرد للفصائل في غزة شكلت نقطة ضعف استثمرتها إسرائيل بالاستفراد بكل فصيل
أجرت أجنحة عسكرية فلسطينية في قطاع غزة، الثلاثاء، مناورة عسكرية مُشتركة هي الأولى من نوعها على صعيد “النطاق الجغرافي، وحجم المشاركة فيها”.

وتهدف المناورة، بحسب الجهة المُنظمة لها وهي “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة”، إلى “رفع كفاءة وجهوزية المقاتلين للقتال في مختلف الظروف”.

وتُحاكي المناورة، التي حملت اسم “الركن الشديد”، التعامل مع سيناريوهات متعددة للتصدي لهجمات إسرائيلية من البر والجو والبحر.

وافتُتحت المناورة بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه البحر المتوسط، كما استُخدمت فيها طائرات مُسيرة، وشملت عمليات عسكرية مختلفة تحاكي اقتحام مواقع وقتال في البحر.

ويرى خبراء ومراقبون، في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، أن هذه المناورة تحمل رسائل سياسية وعسكرية ذات أهمية لافتة، لاسيما في ظل الأوضاع التي يمر بها قطاع غزة، والإقليم بشكل عام.

وفي مايو/ أيار 2018، أُعلن في غزة عن تشكيل “غرفة العمليات المشتركة” التي تضم الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية، عدا حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس محمود عباس.

وينضوي تحت مظلة الغرفة المشتركة، 12 فصيلاً مُسلحاً، أبرزها “كتائب القسام”، الذراع المسلح لحركة “حماس”، و”سرايا القدس” الجناح المسلح لحركة “الجهاد الإسلامي”.

وقال “أبو حمزة”، المتحدث العسكري للمناورة، خلال مؤتمر صحفي، إنها تأتي “تتويجاً لفترة من الإعداد والتدريب العسكري المشترك، وتجسيداً لجهود المقاومة في رفع جهوزيتها القتالية بشكل دائم”.

وأضاف أن هدف المناورة “التأكيد على وحدوية قرار المقاومة في خوض أي مواجهة تُفرض على الشعب في أي زمان”.

وتابع: “فصائل المقاومة لن تسمح للعدو الصهيوني بفرض قواعد اشتباك لا ترضاها”.

** توافق وانسجام

ويعتبر عدنان أبو عامر، الكاتب والمحلل السياسي، أن إجراء المناورة بهذا المستوى من التنسيق يُعبر عن حالة من “التوافق والانسجام الداخلي بين الفصائل في غزة”.

ويقول “أبو عامر” في حديث للأناضول، إن هذا التنسيق يعطي نموذجاً لإمكانية تشكيل قوة عسكرية موحدة أشبه بـ “الجيش” في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، برغم أن الحالة الفلسطينية في “مرحلة دفاعية”.

ويضيف أن هذه المناورة “ذات طابع دفاعي” لتحصين الجبهة الداخلية، وإبداء جاهزية الأجنحة العسكرية.

ويتابع: “المقاومة تتحسّب لإمكانية شنّ إسرائيل عدواناً على غزة؛ استغلالاً للأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض”.

ويوضح المحلل السياسي أن غزة تُرسل رسالة بأنها على أتم الاستعداد والجاهزية لمواجهة أي عدوان.

ويرى أن المناورة تأتي في توقيت سياسي وعسكري في خضم توتر قائم بين غزة وإسرائيل، وعدم تجاوب الأخيرة لمطالب الأولى، لاسيما في تحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة للسكان ومواجهة جائحة كورونا.

ويعاني قطاع غزة من أوضاع إنسانية كارثية بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 14 عاماً، تفاقمت في ظل انتشار فيروس كورونا وارتفاع الإصابات والوفيات.

وتتهم الفصائل الفلسطينية إسرائيل بالتلكؤ في تنفيذ استحقاقات تفاهمات التهدئة القائمة، على صعيد تخفيف الحصار، والسماح بتوريد الأدوية والمعدات لمواجهة كورونا.

**رسائل تهديد

وفي السياق، يرى المحلل السياسي مخيمر أبو سعدة، أن المناورة المشتركة للفصائل الفلسطينية تحمل رسالة تهديد إلى إسرائيل، عبر استعراض إمكانياتها وقدراتها العسكرية.

ويقول “أبو سعدة” الذي يعمل محاضرا للعلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إن توقيت المناورة – الذي يتزامن مع ذكرى الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008- يأتي في ظل عدم حدوث انفراجة على صعيد الأوضاع المعيشية في غزة.

ويضيف: “الوضع الاقتصادي سيء جداً، وأزمة كورونا خلّفت تداعيات سيئة على غزة، إضافة إلى أن هناك اشتراطات إسرائيلية فيما يتعلق بوصول مواد الفحص والتطعيمات”.

ويستبعد “أبو سعدة” حدوث اختراق في ملف تفاهمات التهدئة أو تبادل الأسرى بين “حماس” وإسرائيل، لا سيما بعد قرار حلّ الكنيست الإسرائيلي والتوجّه نحو انتخابات رابعة في مارس/ آذار المقبل.

ويتفق “أبو عامر” مع “أبو سعدة” في عدم إحداث المناورة تأثير مباشر في هذين الملفين، إلا أن الأول يرى أن تفاعلات هذه المناورة قد تُسفر فيما بعد، عن تطورات في كواليس محادثات التهدئة، أو ملف تبادل الأسرى.

وتحتفظ “حماس” بأربعة إسرائيليين، بينهما جنديان، أُسرا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)؛ في حين دخل الاثنان الآخران غزة فيما بعد، في ظروف غير واضحة.

ويرجّح “أبو سعدة” إمكانية حدوث تصعيد عسكري وميداني في غزة، خاصة في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الإسرائيلية.

ويتوقّع أن يستغل معارضو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذه المناورة، كمادة انتخابية ضده في الانتخابات القادمة، وتحميله مسؤولية تنامي القدرات العسكرية لحماس والفصائل.

** “مناورة ردع”

بدورها، عقّبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، على المناورة المشتركة للفصائل في غزة، قائلة إن حركة “حماس” ترد على التهديدات الإسرائيلية بـ “مناورة ردع”.

وقالت الصحيفة في عددها الصادر الثلاثاء، إن حماس تتابع التصريحاتٍ في إسرائيل عن استعداد الأخيرة للمواجهة، وترى المناورات الكبرى التي نفذتها القيادة الجنوبية وفرقة غزة (في الجيش الإسرائيلي) قبل أسابيع، والتي تركزت على محاكاة عملية احتلال قطاع غزة.

وقرأت الصحيفة المناورة بأنها “تعبير عن حالة عدم اليقين في الفترة الانتقالية بين إدارة ترامب وإدارة بايدن”.

واعتبرت أن إيران ومنظمة “حزب الله” (اللبنانية) و”حماس”، ​​مقتنعون بأن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان استخدام أيام ترامب الأخيرة “لتصفية الحسابات”.

وتعليقاً على ذلك، يقول “أبو عامر”، إن غزة قد تكون الجبهة الأقل خطورة من لبنان أو غيرها، ولكنها الأكثر إيلاماً لإسرائيل في حال اندلاع مواجهة.

** حالة نضج

وفي سياق متصل، يقول وسام عفيفة، الكاتب والمحلل السياسي، إن إجراء المناورة بهذا الشكل والحجم يُعبر عن “حالة نضج” لدى الأجنحة العسكرية الفلسطينية.

ويضيف “عفيفة”، أن جهود التنسيق وتطوير العمل الميداني المشترك مرّت بتجارب ومحاولات سابقة، واستنزفت جهوداً وتضحيات.

ويقول: “على مدار العقود الماضية شكّلت حالة العمل المنفرد للفصائل الفلسطينية نقطة ضعف، استثمرتها إسرائيل عبر الاستفراد بكل فصيل”.

ويرى أن هذه الحالة “مثّلت عامل استنزاف للشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الإسرائيلي”، مستدركاً أن “رفع مستوى التنسيق يسدّ هذه الثغرة الخطيرة”.

وعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي، يوضح “عفيفة” أن أحد أهداف المناورة هو رفع مستوى ثقة الشعب الفلسطيني بفصائل المقاومة، باعتباره “الحاضنة الشعبية التي يرتكز عليها العمل المقاوم”.

وختم بالقول، إن “المقاومة” في غزة “تستشعر الخطر المحدق بالحالة الفلسطينية عموماً، وتعتبر أن من يملك القوة والجهوزية يستطيع إثبات نفسه كرقم مهم في المعادلة الإقليمية”.

شاهد أيضاً

هكذا أدارت المقاومة الحرب النفسية مع الاحتلال في غزة

ظهرت في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية الحرب النفسية باعتبارها جبهة أساسية من جبهات هذه المعركة، وحاول كل طرف توظيف الدعاية للتأثير النفسي في مخاطبة جمهوره والجمهور المعادي.