يوميات في التاريخ الإسلامي

يوميات في التاريخ الإسلامي

ملوك الطوائف في الاندلس أذلوا المسلمين ووضعوا خيرات البلاد في يد النصارى، وبذلوا لهم الأموال والهدايا، بل وتحالفوا معهم على إخوانهم المسلمين ورغم كل ذلك هاجمهم النصارى واستولوا على طليطلة وزحفوا نحو اشبيلية و انتصر المسلمون في معركة الزلاقة بمعاونة بن تاشفين …الذي عاد الى بلاده وما لبث أن عاد ملوك الطوائف إلى سابق عهدهم واستعانوا بابن تاشفين مرة اخري .. وكاد النصارى أن يبتلعوا الاندلس برمتها… لكن كان لابن تاشفين رحمه الله موقفا شجاعا فقد أراد توحيد المسلمين في الاندلس وجمعهم تحت راية واحدة.

اعتزم يوسف بن تاشفين أمره في اسقاط ممالك الطوائف، وأخذ يستولي عليها تباعًا، وأرسل إلى بغداد طلبًا للخليفة العباسي ليحصل على كتاب منه بتوليته المغرب والأندلس، وكان يهمه -إلى جانب الحصول على المرسوم الخلافي- أن يحصل على سند شرعي يُبَرِّر تصرُّفه نحو أولئك الأمراء، فلما وصل الفقيه أبو محمد العربي وولده أبو بكر بن العربي إلى بغداد، لقي الإمام أبا حامد الغزالي قطب فقهاء المشرق يومئذٍ، وشرح له أحوال الأندلس، وخلال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وما اضطلع به من أعمال الجهاد وإعزاز الدين، وما كان عليه أمراء الطوائف من تفرُّق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين. وشرحا له الحال، ثم طلب الفقيه ابن العربي إلى الإمام الغزالي أن يُزَوِّدَه فيما تقدَّم بفتوى تُبَيِّنُ حكم الشرع فيه، وأن يُزَوِّده بكتاب إلى أمير المسلمين، فأفتى الإمام الغزالي بحكم الشرع في موقف ملوك الطوائف، حسبما شرحه ابن العربي للإمام، وعن حقِّ يوسف في الحصول على المرسوم الخلافي بولايته على ما فتحه من الأقطار بسيفه، وقد عاد الإمام الغزالي بعد ذلك، فكتب إلى يوسف كتابًا يعرض فيه بالتفصيل إلى قصة ملوك الطوائف، حسبما رواها له ابن العربي، وإلى ما كانت عليه الأندلس في ظلِّ حكمهم، من التخاذل والذل… ثم يُشير بعد ذلك إلى ما أصدره من فتوى في شأن ملوك الطوائف، وإلى ما كان ابن العربي بصدده من السعي إلى استصدار المرسوم الخلافي بولاية يوسف على جميع بلاد المغرب، وتمكين طاعته، وإلى ما كان يبثُّه ابن العربي من دعاية واسعة للإشادة بحكم يوسف وخلاله؛ سواء في العراق أو في المشاهد الكريمة بأرض الحجاز.

وكذلك حصل ابن العربي من العلامة أبي بكر الطرطوشي -حين مروره على ثغر الإسكندرية، وهو في طريق العودة- على خطاب آخر برسم يوسف، ويُسدي الطرطوشي في كتابه النصح إلى يوسف بأن يحكم بالحق وفقًا لكتاب الله.

وقد توفي الفقيه ابن العربي بثغر الإسكندرية في فاتحة سنة (493هـ)، وعاد ابنه أبو بكر إلى الأندلس في العام نفسه، وهو يحمل الرسالتين- رسالة الغزالي ورسالة الطرطوشي- وكذلك مرسوم الخليفة المستظهر إلى عاهل المرابطين[3].

لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلس أمرًا سهلاً، فقد حاربه الأمراء هناك بما فيهم المعتمد بن عباد، ذلك الرجل الذي لم يجد العزَّة إلاَّ تحت راية يوسف بن تاشفين –رحمه الله- قبل وبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنَّى له أن يحارب مثله!

استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف، وانتهت بضمِّ كل ممالك الأندلس إلى دولة المرابطين، واستطاع أن يضمَّها إلى بلاد المسلمين، وقد أصبح يوسف بن تاشفين الآن أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط إفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين.

ولقد ظلَّ هذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة (500هـ=1106م)، وكان قد بلغ من الكبر عتيًّا، وتوفي –رحمه الله- بعد حياة حافلة بالجهاد، وقد وفَّى تمام المائة[4]؛ منها سبع وأربعون سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولة المرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.

[3] انظر: ابن الأثير: الكامل، 8/447، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/187، 188، والمقري: نفح الطيب، 4/373، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 4/41-44.
[4] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/45، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص156.
قصة الإسلام

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،