إنجاز علمي.. ميكروسكوب جديد يمكنه الإبصار عبر عظام الجمجمة

تعدّ رؤية العمليات الحيوية التي تحدث داخل أجسامنا أمرا بالغ الأهمية لتطوير الطب الحديث، وعادة ما يلجأ العلماء لتشريح عينات النماذج الحيوانية لدراستها بشكل مفصل، إلا أن حصر النظر في نسيج أو عضو بمعزل عن باقي الأعضاء يقف عثرة أمام رصد العمليات الحيوية لحظة حدوثها في كامل الجسم، الذي تتداعى أعضاؤه بالسهر والحمى لبعضها.

تحديات أمام التصوير المجهري
فعندما تسقط الأشعة على العينة البيولوجية، ينفذ بعضها، بينما ينكسر وينعكس ويتشتت البعض الآخر. إذ تعتمد تقنيات التصوير المجهرية المختلفة والرصد الطيفي على رصد امتصاص أو تشتت أو انعكاس هذه الأشعة، وتختلف هذه الظواهر باختلاف الخواص الفيزيائية للأشعة الساقطة ومقدار الطاقة التي تحتويها.

إلا أن بعض الأنسجة الصلبة كالعظام، تشتت الأشعة الساقطة عليها بشكل فجّ. وبالتالي فمن الصعب رؤية العمليات الحيوية التي تختبئ خلف هذه العظام. كما أنه كلما أردنا رؤية الأنسجة الغائرة داخل الجسم، زاد تشتت الضوء، ومن ثم واجهتنا صعوبة في سبر أغوار البنى البيولوجية الدقيقة والهشة.

وهناك حِيَل بصرية عديدة يستخدمها العلماء المهتمون برصد العمليات التي تحدث داخل الأنسجة الحية وقت حدوثها، وذلك بالاستفادة من الفوتونات (وهي الجسيمات الأولية الناقلة للضوء) المُشتَتَة وتحويلها إلى صورة مفيدة. بيد أن هذه الطرق لا تخلو من السلبيات، كإتلاف الأنسجة الحيوية أو اقتصار هذه التقنيات على رؤية الأنسجة القريبة من السطح دون الأخرى الغائرة في الأعماق.

وهنا تجدر الإشارة إلى نجاح إحدى التقنيات السابقة -وتعرف باسم المجهر الثلاثي الفوتون- في التقاط صور لخلايا الفأر العصبية المكوِّنة لوصلات المخ والمحاطة بعظام الجمجمة السميكة، إلا أن معظم هذه المحاولات يتطلب إحداث قطع عبر الجمجمة، حتى يتسنى للعلماء الحصول على صورة واضحة، كما أن هذه الطريقة تضر بالجزيئات البيولوجية الدقيقة.
ميكروسكوب جديد
وحديثا، توصل فريق من الباحثين إلى تقنية ميكروسكوبية جديدة، مكنتهم من التقاط صور واضحة ناتجة عن الأشعة تحت الحمراء المشتتة، إثر سقوط أشعة الليزر على أنسجة الجسم المختلفة، ومن بينها الأنسجة السميكة كالعظام. ونشرت نتائج الدراسة في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وبحسب البيان الصحفي الذي نشرته جامعة كوريا (Korea University) تعقيبا على الدراسة، يقول الفيزيائيان سوكشان يون وهوجون لي المشاركان في الدراسة إن “الميكروسكوب الذي قمنا بتطويره قد مكننا من رؤية التراكيب الداخلية الدقيقة الغائرة داخل الأنسجة الحية بشكل لم تتمكن منه أي من التقنيات الأخرى”.

فقد استطاع العلماء هذه المرة الحصول على صور عالية الدقة لأول مرة لخلايا الفأر العصبية دون إحداث أي تلف بالدماغ، وذلك من خلال دمج التقنيات التصويرية مع البصريات الحاسوبية المهيئة، وهي طريقة ابتكرت سابقا لتحسين عمليات الرصد الفلكي.

أطلق العلماء على التقنية اسم “ميكروسكوب مصفوفة انعكاس المسح الليزري” (Laser-scanning reflection-matrix microscopy (LS-RMM)) وهي تعتمد في الأساس على أحد أنواع المجاهر التقليدية ويعرف باسم المجهر المتحد

فبعد أن كان تشتت الضوء الناجم عن مرور الأشعة -في هذه الحالة الليزر- لمسافة أطول عبر الأنسجة الحيوية أمرا مرهقا يمنع الحصول على الصور عالية الدقة، طور العلماء مصفوفة خاصة لتحقيق أقصى استفادة من أي أشعة ضوئية مشتتة.

تحديات وتطلعات مستقبلية
إلا أن هذه التقنية تتطلب معالجة حاسوبية فائقة، كما أنها تستغرق من الوقت الكثير لتحليل البيانات ومعالجة انحراف الأشعة. لكن الخوارزمية التي استخدمها العلماء لتصحيح انحراف الأشعة الضوئية يمكن تطبيقها في تقنيات التصوير الأخرى، مما سيمنح التقنيات الأخرى فرصة واعدة لتصوير العينات الغائرة.

بالطبع فإن هذه التقنية تفتح الباب أمام استكشاف التراكيب البيولوجية الدقيقة في سياقها الزمني والمكاني الطبيعي، دون إتلافها أو فصل بعض هذه التراكيب عن بعضها. وهو ما سيمكن العلماء من إجراء المزيد من البحوث المستقبلية التي “تساعد على التشخيص المبكر للأمراض”، كما يقول الفريق.

المصدر : الصحافة الأسترالية

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.