كشف وثائق إسرائيلية تبين خطة طرد الفلسطينيين من أراضيهم في جنوب الخليل

عثر مؤخراً على وثيقة تاريخية عمرها أربعين سنة في أرشيف الدولة تبدي نظرة نادرة على الطريقة التي تعمل بها الدولة في العقود الأخيرة لإبعاد الفلسطينيين عن بيوتهم. ويظهر التدقيق في هذه الوثيقة أن الدولة أعلنت في الثمانينيات عن ميدان نار في منطقة بدون أي سبب عملياتي، بل لطرد سكانها منها. قُدّمت الوثيقة إلى المحكمة العليا، الشهر الماضي، في محاولة لمساعدة بضع مئات من الفلسطينيين الذين بقوا في مدينة يطا جنوبي جبل الخليل لمواجهة نية الدولة لإخلائهم.

وتبين بعد إعادة النظر في البروتوكول أن وزير الزراعة في حينه، اريئيل شارون، ومن خلال اللجنة الوزارية للاستيطان المنعقدة في تموز 1981، اقترح تخصيص مناطق لتدريب الجيش جنوبي جبل الخليل، وقال إنه يفضل أن يستخدم الجيش هذه المناطق بسبب “انتشار عرب جبل الخليل القرويين”. وقال شارون في بداية أقواله حول الموضوع: “أقول لممثلي هيئة الأركان بأننا نريد اقتراح أماكن تدريب أخرى. ويجب إغلاق مناطق تدريب أخرى على الحدود التي تقع على منحدرات جبال الخليل نحو صحراء يهودا، إزاء هذه الظاهرة نفسها (انتشار عرب الجبل القرويين على سفح الجبل نحو الصحراء). وأضاف: “مصلحتنا توسيع مناطق النار وزيادتها هناك كي نحافظ عليها كمناطق في أيدينا لأنها حيوية جداً… يمكن أن تتجمع لديكم هناك مناطق تدريب كثيرة، ولنا مصلحة كبيرة بوجودكم في هذا المكان”. ورداً على ذلك، قال ممثل الجيش: “سنكون مسرورين جداً بذلك”. وبعد ذلك تم الاتفاق على أن يلتقي مستشار شؤون الاستيطان لوزير الزراعة ممثلي الجيش ويعرض عليهم الأماكن التي فيها مصلحة لزيادة وتوسيع مناطق النار “للحفاظ عليها كمناطق في أيدينا”.

عثر على تلك الوثيقة معهد “عكفوت” لبحث النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، داخل مجموعة من محاضر اللجنة التي حُفظت في أرشيف الدولة. وحسب أقوال ليئور يفنه، مدير المعهد، “يتوقع أن تعزز هذه الوثيقة موقف السكان الفلسطينيين” ضد إخلائهم من المنطقة.

لم تكن المرة الأولى التي تستخدم فيها وثيقة كهذه في النضال القانوني ضد الدولة، فقد اعتادت جمعية حقوق المواطن التي تدير نضالاً قانونياً ضد إخلاء السكان بين الفينة والأخرى، على عرض وثائق تاريخية من هذا النوع على القضاة لتعزيز ادعاءاتهم. وقالت المحامية روني بيلي، من الجمعية، للصحيفة بأن الوثيقة تكشف “استخداماً متهكماً لمناطق النار”.

في الدعوى التي قُدمت لمحكمة العدل العليا ووقع عليها المحامي دان يكير من الجمعية، كتب أن الوثيقة “توفر نظرة نادرة على الطريقة التي تقرر فيها الإعلان عن مناطق نار في جنوب جبل الخليل، وعن الدوافع التي أدت إلى هذا الإعلان”. وحسب قولهم، يمكن الاستنتاج من المحاضر بأنه “خلافاً لمبادئ القانون الدولي، لم تكن مصلحة السكان هي ما وقف أمام ناظري متخذي القرار”، بل العكس، “الإعلان عن مناطق نار استهدف إبعاد السكان المحليين بسبب مصالح إقليمية للحكومة”، كتبوا.

منذ عشرين سنة تقريباً، يعيش نحو ألف فلسطيني من سكان الـ 12 قرية في المنطقة تحت تهديد الهدم والإخلاء، حيث إجراءات قانونية متواصلة ضدهم. وفي بداية الثمانينيات، وبعد الجلسة التي كشف عن عقدها في وثيقة الأرشيف، أعلن الجيش الإسرائيلي عن منطقة سكنهم منطقة نار طبقاً لاقتراح شارون. وفي العقد التالي، صدرت أوامر إخلاء للسكان بسبب “مساكن غير قانونية في مناطق نار”. وفي العام 1999 بدأ الجيش الإسرائيلي بإخلاء عدد من السكان. وفي العام 2000 أصدرت المحكمة العليا أمراً مؤقتاً لتجميد الإخلاء، وبعد ذلك أعلنت الدولة بأنها ستقلص مناطق النار بحيث يقل عدد السكان الذين سيتم إخلاؤهم.

يتناول النقاش القانوني الحالي مصير بضع مئات من الفلسطينيين، من سكان ثماني قرى التي أُعدّت للإخلاء الآن. وقال السكان إنهم يعيشون في هذه المناطق منذ عقود كثيرة، قبل وقت طويل من احتلال إسرائيل لها في حرب الأيام الستة – في الأصل هم يعيشون هناك منذ وقت طويل قبل الإعلان عنها كمناطق نار، وهناك خرائط تاريخية تعزز هذه الادعاءات.

يمكن للجيش الإسرائيلي -حسب القانون- إخلاء أشخاص من مناطق نار، إلا إذا تعلق الأمر بسكان دائمين. وادعت الدولة أن الفلسطينيين الذين يعيشون هناك هم متنقلون، لذلك فهم غير محميين، حسب القانون. “يتجاهل هذا الادعاء تماماً توثيقاً تاريخياً واضحاً، ومنشورات وزارة الدفاع التي تدل على استيطان فلسطيني لأجيال في القرى التي يدور الحديث عنها”، كتب في صفحة جمعية حقوق المواطن. وأشير هناك أيضاً إلى أن إخلاء السكان سيترك عائلات كاملة مع أطفال وشيوخ من دون مأوى.

وهذه الوثيقة التاريخية التي عثر عليها مؤخراً قد تعزز ادعاءهم، فالعثور عليها في أرشيف الدولة من قبل معهد “عكفوت” يعدّ أمراً نادراً جداً، وثمة وثائق تاريخية كثيرة تتناول مواضيع أمنية تبقى مخبأة في الأرشيفات لعشرات السنين ولا تُفتح أمام الجمهور حتى لو اقتضى القانون بذلك. وتناول تقرير مراقب الدولة الذي نشر هذا الأسبوع، بصورة واسعة، هذا الأمر وقال إن هناك أكثر من مليون وثيقة تاريخية بقيت سرية حتى بعد انتهاء موعد حصانتها.

وعرضت الجمعية وثيقة تاريخية أخرى سابقاً على المحكمة، وهي رسالة أرسلها ممثل وزارة الزراعة إلى ممثل الجيش الإسرائيلي في نهاية العام 1981، بعد بضعة أشهر على الجلسة التي اقترح فيها وزير الزراعة شارون الإعلان عن المنطقة كمنطقة نار. حث ممثل الوزارة الجيش على تطبيق الاقتراح، لأن “الوضع على الأرض يشتد… ويتسع وضع اليد على أراض ومناطق أخرى يفلحها السكان… وتحولت فيما بعد إلى مناطق سكن ثابتة”. وأضاف: “يبدو أننا نخسر المزيد من السنين والأراضي… يجب أن نعمل بسرعة على تنفيذ التوصيات”.

وقالت المحامية بيلي للصحيفة، الأسبوع الماضي، بأن الوثيقة التاريخية التي عثر عليها مؤخراً، والوثيقة التي ذكرت سابقاً، تثبت أن ليس الجيش هو الذي طلب الإعلان عن المنطقة كمنطقة نار، بل مبادرة من المستوى السياسي – اريل شارون – بتأييد من المستوى المهني في وزارة الزراعة، وليس بمبادرة من وزارة الدفاع أو الجيش.

وعثر أعضاء “عكفوت” على وثيقة أخرى في الأرشيف، للمحكمة في السابق، هي رأي قانوني كتب باسم المدعي العسكري العام في العام 1967، مئير شمغار، الذي أصبح بعد ذلك رئيس محكمة العدل العليا. الوثيقة التي تم العثور عليها في أرشيف الجيش الإسرائيلي تقول إنه يجب عدم إخلاء سكان مدنيين في المناطق لصالح التدريبات العسكرية. “يجب عدم إخلاء سكان مدنيين من المناطق لإيجاد مناطق تدريب لصالح الجيش، وهذا لأسباب سياسية وإنسانية، وكذلك لأسباب تتعلق بتعليمات القانون الدولي”، كتب شمغار، وأضاف بأن “التحفظ الوحيد على ذلك هو الحالات التي تقتضيها احتياجات قتالية فورية”.

وثائق الأرشيف هذه تناقض الموقف الرسمي الحالي للدولة، كما يطرح في مناسبات كثيرة، والذي يقول بأن تخصيص مناطق للنار استهدف تحقيق أغراض عسكرية فقط. ولكن ليس وثائق الأرشيف، بل أيضاً محاضر حديثة، تدل على ذلك. في العام 2014 مثلاً، كشفت عميرة هاس تصريحات لضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي قيلت في نقاش مغلق في الكنيست. ويتبين من أقواله إن التدريبات في مناطق النار في الضفة الغربية هي وسيلة لتقليص عدد السكان الفلسطينيين فيها.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،