“ميدل إيست آي”: الحفريات الأثرية الإسرائيلية هدفها إعادة كتابة تاريخ القدس

نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريراً، اليوم الإثنين، يتطرق إلى عملية تسييس الاحتلال الإسرائيلي للتنقيب تحت قرية سلوان والقدس القديمة في إطار المشروع السياحي المعروف باسم “مدينة داوود”، والذي تديره مؤسسة استيطانية تدعى “إل-أد”، بتمويل من الحكومة. ويدعي الاحتلال أن الهدف من الحفريات هو الكشف عن معابد يهودية يبلغ عمرها حوالي 3000 عام، والتي يدعي الإسرائيليون أنها تقع تحت المسجد الأقصى. وأشار الموقع إلى أن المشروع الأركيولوجي بات موضع جدل على مستوى عالمي ومصدر معاناة جديدا للفلسطينيين.

ويشير التقرير إلى أن الكثيرين أكدوا أنه مع وجود حوالي 45000 فلسطيني يعيشون في سلوان، بات مشروع “مدينة داوود”، وغيره من مشاريع الحفريات في القرية، جزءاً لا يتجزأ من الجهود الإسرائيلية لتعزيز سيطرتها المادية والسياسية على الأحياء التي تحاذي البلدة القديمة للقدس، كما أنها تهدف إلى تعزيز موقف حوالي 400 مستوطن يهودي يعيشون في سلوان في انتهاك للقانون الدولي. وذكّر التقرير بمقولة عمدة القدس الإسرائيلي السابق، نير بركات، العام الماضي عند افتتاح نفق “طريق الحجاج” حين قال إن أي شخص يزور النفق يعلم “من هو مالك المدينة”.

وعند دخولهم أيا من هذه الأنفاق، يحاط الزوار بإشارات تتضمن معلومات تصور للزائر ما كان موجوداً في المنطقة قبل 3000 آلاف عام، ولكن في حين أن للقدس تاريخاً طويلاً ومتنوعاً ثقافياً ودينياً، فإن المعلومات المنقولة في الأنفاق تركز حصرياً على تاريخ المدينة اليهودي. وتُظهر الشاشات المضيئة نماذج ثلاثية الأبعاد لهيكل المعبد اليهودي، ورسوماً كاريكاتورية ملونة للعمال يقومون ببناء المعبد وسحب أحجاره. كما وضعوا لفائف ورق عليها آيات من التوراة في رفوف زجاجية.

في حين أن للقدس تاريخاً طويلاً ومتنوعاً ثقافياً ودينياً، فإن المعلومات المنقولة في الأنفاق تركز حصرياً على تاريخ المدينة اليهودي

وفي عام 2018، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً مسرباً للاتحاد الأوروبي، قال إن إسرائيل تطور مواقع أثرية وسياحية لإضفاء الشرعية على المستوطنات غير القانونية في الأحياء الفلسطينية بالقدس. واعتبر التقرير أن مثل هذه المشاريع تستخدم “كأداة سياسية لتعديل السرد التاريخي ودعم وإضفاء الشرعية على المستوطنات وتوسيعها”.

كما جاء في التقرير المسرب أن “القدس الشرقية هي المكان الوحيد الذي يتم فيه الإعلان عن الحدائق الوطنية الإسرائيلية داخل الأحياء المأهولة”، مشيراً إلى مشروع “مدينة داوود” كجزء من رواية متعمدة لتزوير استمرارية تاريخية للوجود اليهودي في المنطقة على حساب الأديان والثقافات الأخرى”. كما انتقد منظمات المستوطنين الخاصة التي قالت إنها “تروج لرواية يهودية حصرية، بينما تفصل المكان عن محيطه الفلسطيني”.

ونقل الموقع عن باحث الآثار في القدس، عبد الرزاق متاني، أن العدد الدقيق للأنفاق المحفورة تحت المسجد الأقصى والمدينة القديمة لا يزال مجهولاً. وقال إن السلطات الإسرائيلية لا تعلن سوى عن عدد محدود من الأنفاق، بينما تمنع أي علماء آثار أو مساحين خارجيين من دراسة المنطقة.

وأشار متاني إلى أنه تتكون طوبوغرافية القدس القديمة من عدة طبقات تحت الأرض، إذ شهدت كل مرحلة تاريخية بناء منازل فوق المنازل القديمة، حتى تشكلت طبقات عديدة فوق طبقة أصلية من الصخور. وأشار إلى أنه تم حفر معظم الأنفاق في خلال الفترات الهلنستية والصليبية والإسلامية، وتم استخدامها كممرات مائية أو ممرات تم دفنها لاحقًا بعد أن تم البناء فوقها. إلا أن الرواية التي يروجها الاحتلال، التي يراها الزائر إذا مر في “أنفاق حائط المبكى”، تتمحور بشكل كامل حول الهيكل الثاني، بينما يقول معظم علماء الآثار إنها في الواقع تعود لمراحل تاريخية لاحقة.

وقد سلطت المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية “عيمق شافه”، التي تنتقد عملية تسييس الحفريات الأثرية من قبل الاحتلال، الضوء على تعديل الاحتلال للرواية لتبدو المنطقة وكأنها يهودية بحتة إذ تقول إن السلطات “تتجاهل تمامًا الأهمية التاريخية للموقع” و”تعزز رواية دينية يهودية”.

عدل الاحتلال للرواية لتبدو المنطقة وكأنها يهودية بحتة

وشددت المؤسسة غير الحكومية، بحسب “ميدل إيست آي”، على أن الحفريات الإسرائيلية تستخدم كوسيلة لتبرير الاستيطان الإسرائيلي في سلوان، وكأداة لتحقيق أهداف سياسية، مما يهدد النسيج الاجتماعي والثقافي للقدس. ويقول الخبراء إن الحفر تسبب خلال السنوات الماضية بأضرار هيكلية للمنازل الفلسطينية، خاصة في سلوان. وفي عام 2017، اضطر حوالي 25 فلسطينياً لمغادرة منازلهم في البلدة نتيجة الأضرار التي جعلت المباني غير آمنة للعيش فيها. كما بدأت الأنفاق تهدد أساسات بنية المسجد الأقصى.

وقال المدير العام للتعليم الشرعي في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، ناجح بكيرات، للموقع، إن شبكة الأنفاق تتفرع وتمتد إلى حي القرمي الواقع غرب المسجد الأقصى في البلدة القديمة، وكذلك إلى الشرق والشمال بالقرب من بوابة دمشق، إضافة إلى الفروع الجنوبية التي تصل إلى سلوان. وقال بكيرات إن العواقب كانت وخيمة، إذ تسببت الحفريات بحدوث تصدعات في المباني الكبيرة، كما أثّرت على أسس 16 معلمًا إسلاميًا على طول الطريق.

وختم التقرير مذكراً بأنه منذ بدء عمليات التنقيب، دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إسرائيل إلى وقف الحفريات، مؤكدةً عدم شرعيتها. وتوقفت الحفريات الإسرائيلية لعدة أشهر فقط في عام 1974، إثر وقف اليونسكو جميع المساعدات لإسرائيل. وفي عام 1996، فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، بنيامين نتنياهو، مدخلًا إلى “أنفاق الحائط الغربي” المتاخم للمسجد الأقصى، ورد الفلسطينيون باحتجاجات واسعة قامت قوات الاحتلال خلالها بقتل حوالي 80 فلسطينياً.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".