قرار إعادة آيا صوفيا مسجدا يشعل الصراع بقوة بين العلمانيين والمحافظين في تركيا

عقب أسابيع من الجدل المتصاعد، وصل الصراع بين العلمانيين والمحافظين في تركيا إلى ذروته مع إعادة فتح آيا صوفيا مجدداً كمسجد، وما رافق ذلك من اتهامات تتعلق بالخطبة والكلمات الرسمية والتعليقات واللغة الدينية المستخدمة، ووصل الأمر حد رفع قضية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتهمة مخالفة مبادئ العلمانية التي أرساها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.

ويرى المعسكر المحافظ والقومي في البلاد متمثلاً في حزبي العدالة والتنمية الحاكم وحليفه بالحكم حزب الحركة القومية، أن قرار فتح آيا صوفيا للصلاة قرار قومي وطني وأمر مرتبط بالتاريخ العثماني وفتح إسطنبول، كما أنه يحمل بعداً دينياً و«يعيد تصحيح الأخطاء التي ارتكبت سابقاً بحق هوية البلاد»، في إشارة إلى التغييرات التي أجراها أتاتورك.
في المقابل، يرى المعسكر المعارض، وعلى رأسه حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، أن ما جرى هو تعد على أسس العلمانية التي أرساها أتاتورك ومحاولة لتعزيز الطابع الإسلامي الديني في البلاد على حساب العلمانية، وهو ما تعتبره «تخلفا ورجعية وابتعادا عن الحضارة والغرب».
وعلى مدار الأيام الماضية، نظم عشرات آلاف المغردين حملة واسعة على تويتر تطالب بإقالة رئيس الشؤون الدينية التركي علي إرباش الذي ألقى خطبة الجمعة الأولى في مسجد آيا صوفيا، وذلك عقب اتهامه بأنه أطلق «لعنات» على مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك في الخطبة، وهو ما أثار غضب شريحة واسعة من العلمانيين الذين طالبوا باستقالته ومحاكمته وغيرها من المطالبات.
وعقب حملات بعنوان «يجب إقالة إرباش» و«يجب وضع حد لإرباش»، اضطر رئيس الشؤون الدينية لنشر توضيح أكد فيه أنه لم «يلعن» أتاتورك كونه توفي منذ عقود، وأن الإسلام يدعو للموتى ولا يدعو عليهم، وأنه كان يقصد المستقبل عندما دعا على من يحول آيا صوفيا من مسجد إلى متحف أو كنيسة. لكن الحملات ضد إرباش تواصلت حيث دعا حزب الشعب الجمهوري إرباش للاستقالة، بينما أعلن حزب الجيد أنه ينوي رفع دعوى قضائية بحقه.
هذا الجدل سبق وأن تصاعد ضد الرئيس رجب طيب اردوغان الذي اتهم بالأمر نفسه عندما ألقى كلمة للشعب عقب قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بداية الشهر الجاري أورد فيها جزءا من وصية محمد الفاتح الذي «لعن أي شخص يمس وقف آيا صوفيا»، فيما اعتبر أيضاً إهانة بحق مؤسس الجمهورية، وتحركت نقابات لرفع دعاوى قضائية بحق الرئيس بتهمة إهانة مؤسس الجمهورية، وهي تهمة ينص عليها القانون التركي، وسبق أن استخدمت من قبل العلمانيين لمعاقبة شخصيات محافظة في السابق من كافة المستويات السياسية في البلاد.
كما انتقد علمانيون خطوة تغيير وضع آيا صوفيا، واعتبروا ظهور الخطيب بالسيف ووضع رايات وإشارات تعود لحقبة الدولة العثمانية «رجعية» ومساسا بعلمانية الدولة وطابعها، فيما اعتبرها المحافظون والقوميون إشارة إلى قوة الدولة وعودتها إلى هويتها الأصلية، على حد تعبيرهم.
وامتدت النقاشات لتشمل اللغة العربية، حيث أنشأت رئاسة الشؤون الدينية حساباً موثقاً على تويتر لمسجد آيا صوفيا عقب إغلاق وزارة السياحة حساب متحف آيا صوفيا، وكانت أول تغريدة على الحساب عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» بالأحرف العربية، وهو ما ولد ردود فعل غاضبة من قبل شريحة من العلمانيين اعتبرت ذلك تعدياً على خطوة أتاتورك بتغيير أحرف اللغة التركية، وانتقدوا الخطوة، معتبرين أن البسملة كان يمكن كتابتها بأحرف اللغة التركية الحديثة، وأن «اللغة العربية ليست مقدسة».
هذا الجدل نفسه، انعكس على اللوحة الرئيسية التي وضعت على مدخل مسجد آيا صوفيا، حيث سمي المسجد «مسجد آيا صوفية الكبير الشريف»، وكتب ذلك حرفياً بأربع لغات، لكن علمانيين اعتبروا ذلك أيضاً تعدياً على اللغة التركية، معتبرين أن التسمية بهذا الشكل تأتي من اللغة العربية، وكان لا بد من تسميته بالمصطلحات التركية الأصلية وليس المصطلحات العربية، وكتب البعض «نحن أتراك ولسنا عربا، ولغتنا التركية وليست العربية».
وبالتزامن مع ذلك، شن مغردون حملة على بلال أردوغان نجل الرئيس التركي الذي شارك صباح الأحد في أحد البرامج التلفزيونية، وتحدث عن مسألة تغيير أحرف اللغة التركية من قبل أتاتورك، معتبراً أن تغيير الأحرف أو الملابس أو الشكل ليس هو معيار تقدم الأمم، لكن هذه التصريحات اعتبرها العلمانيون تعديا على مؤسس الجمهورية، وما يطلق عليها «ثورة الحروف» التي غير خلالها أتاتورك اللغة إلى الأحرف التركية الحالية.

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.