التعصب الديني

بقلم : عبدالبصير عيد

التعصب الديني هو الظلام الأسود الذي يسود العالم اليوم. هو الذي يستباح به دماء الأطفال والنساء والشيوخ وتقتل فيه النفس بغير حق. العقل هو ما يتميزُ به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية. ولكن كثيرٌ من البشر يخرج عن طبيعته البشرية بأفعالٍ لا يفعلها الحيوان. كالقتل والغدر والخيانة بأبشع صورها. عندما يلغى التفكير بالشكل الصحيح ويحل مكانه أفكار ومعتقدات وفرضيات خاطئة سيقود الإنسان إلى أفعال تضرُ به وبمجتمعه. من أبرز ما ابتليت به المجتمعات الآن هو التعصب الديني الذي يرفع رايته الكثير من المتعصبين باسم الدين.

التعصب هي ظاهرة قديمة حديثة ترتبط فيها الكثير من المفاهيم مثل التميز العنصري والديني والجنس واللون. لكن أكثرها انتشاراً هو التعصب الديني، كالتعصب لأشخاص او مذهب أو فكر معين. تكمن المشكلة في استقبال المعلومات والفكر والثقافة من قناة واحدة وعدم أخذ المعرفة من عدة قنوات. فما يقوله شيخي هو الصحيح وما تعلمته من طائفتي هو الحق المطلق الذي يجب أن أستميت في سبيله والذود عنه.


تستغل الكثير من الجماعات الأفراد الجدد وذلك بكسبهم لصفهم من خلال زرع أفكار الجماعة وتوجهاتها في داخلهم لكي يكون الولاء المطلق لهذه الجماعة دون غيرها

يؤثرُ التعصب الديني على المجتمع بشكل سلبي من خلال زعزعة التعايش العام بين أفراد المجتمع ورفع الحب والمودة بين أفراده ووضع الكره والبغضاء بدلاً عنه. وهذا من شأنه أن يجعل المجتمع ضعيفاً مفككاً ويشكلُ أرضاً خصبةً لظهور النزاعات والخلافات وربما تتطور لتصبح حروب تسفكُ فيها دماءُ الأبرياء. تنتهي الكثير من التعصب الديني بين الأفراد إلى التنافر والكره والتكفير واستحلال الدماء.

جاء الدين الإسلامي الحنيف بنبذ الخلاف والعنصرية وترسيخ المجتمع القوي كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين الأوس والخزرج. عنما قال: “أتركوها فإنها منتنة” أي العنصرية. وقال تعالى: (لا إكراه في الدين). فلا يجوز لأي فرد أن يجبر أحداً على إتباع مذهبٍ أو دينٍ معين. فما عليك سوى أن تبلغ وتبين وبالحسنى. قال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لنفضوا من حولك).

يبدأ التعصب الديني بالجهل في قواعد وأصول الدين ومقاصده والنظر إلى الدين نظرة سطحية بعيدة عن جوهر الدين وروحه. وأيضاً من التعصب عدم احترام الخلاف وادعاء الحق المطلق لمذهب بعينه. فكلٌ يزعم أنه على حق لكن هل يعقل أن يكون كلاهما صواب في وجهة نظره. الحق واحد لكن الصواب متعدد، وقد يكون للحق الواحد أوجه عده من الصواب.

يبدأ التعصب في مجتمعاتنا عندما يخوض المبتدئ بمسائل تفوق مستواه العلمي وثقافتهم. فكان الإمام الشافعي يقول: (ما جادلتُ جاهلاً إلا غلبني). فالجاهل عدو نفسه كما يقال. يبدأ الكثير من المتدينين الجدد بتعلم الدين من المشايخ في المسجد وللأسف كثيرٌ منهم لا يحمل شهادة تأهيل في علوم الشريعة. وعند بداية التزامهم يأخذون دينهم من شيخ واحد ثم جماعة واحدة. تستغل الكثير من الجماعات الأفراد الجدد وذلك بكسبهم لصفهم من خلال زرع أفكار الجماعة وتوجهاتها في داخلهم لكي يكون الولاء المطلق لهذه الجماعة دون غيرها. وضع هذا الفرد الجديد في دائرة الجماعة الضيقة وعدم السماح له بالخروج منها من خلال تلميع الجماعة وشيطنة الجماعات الأخرى. “نحن على حق وهم على باطل” أو “نحن الفرقة الناجية والباقي في النار”.

من الخطأ أن يبدأ الفرد الجديد بدراسة الخلافيات وتحييد وتجنب دراسة الأساسيات والقواعد الفقهية في أصول الدين ومقاصد الشريعة. كمن لا يعرف الكثير من مسائل الفقه ويبدأ بدراسة أحوال الرجال في السند. ويبدأ بدراسة “حدثنا وأخبرنا… عن.. عن..” في علم الحديث. أو يبدأ بالخوض في مسائل التكفير والإيمان.


التفكك الأسري والمشاكل اليومية التي يتربى عليها الأبناء وفقدان الطفولة البريئة وتجاهل الإرشاد التربوي للمراهقين وتنمية الشباب وتوفير فرص عمل متكافئة كلها أسباب خرقت فجوة كبيره استغلها أصحاب الفكر المتشدد ليملأوا بها عقول الشباب الصاعد.

يبدأ المستجدون في الدين بحفظ الأحاديث والمتون وتبدأ منزلته بالارتفاع وجرأته على إصدار الأحكام بالحلال والحرام كلما زاد حفظه للاحاديث وأقوال العلماء في مسائل مختلفة. ولا يراعى أي اهتمام بأن إصدار الحكم الشرعي لمسألة ما يتطلب الدراية بمقاصد الشريعة وأصول الدين والقدرة على استخراج الأحكام الشرعية ومعرفة تامة باللغة العربية. فمن يقوم بإصدار الأحكام هو قائمٌ مقام النبي صلى الله عليه وسلم. حيث قال: العلماء ورثة الأنبياء.

يعيش المتعصب الديني في عالم غير عالمه. فهو ما زال يظن أنه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ونسي أنه في القرن العشرين الذي تغيرت فيه الكثير من العادات والتقاليد والتطور العلمي المتسارع. ما ينقصنا هو فهم الواقع أو “فقه الواقع”. فالكثير من المحرمات كانت موجودة في الماضي قد تكون حلاً الآن لزوال علة تحريمها. كما أن الكثير من الأمور المستجدة في الإسلام أصبحت محل خلافٍ بين الفقهاء لعدم ورود دليلٍ واضحٍ بها. هنا يأتي الفهم الصحيح لأصول الدين ومصادر التشريع. وهذا لا يكون إلا من الفقهاء والعلماء ولا يصلح للمستجد أن يخوض فيه. لكن للأسف يبقى التعصب للأشخاص موجوداً عند الكثيرين. “ما يفتي به شيخي دائماً صحيح!”

عندما نتكلم عن التعصب الديني يجيب علينا أولا أن نبحث في أسبابه التي أدت لظهور هذه العقلية المتحجرة. بالتأكيد ومن غير شك أن النتيجة التي وصل إليها المتشدد لم تكن وليدة لحظة أو يوم أو يومين بل كانت حصيلة سنوات عدة تناوب عليها عوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة. تعاني مجتمعاتنا العربية من مشاكل كبيره على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. فالتفكك الأسري والمشاكل اليومية التي يتربى عليها الأبناء وفقدان الطفولة البريئة وتجاهل الإرشاد التربوي للمراهقين وتنمية الشباب وتوفير فرص عمل متكافئة كلها أسباب خرقت فجوة كبيره استغلها أصحاب الفكر المتشدد ليملأوا بها عقول الشباب الصاعد.

لابد لوضع حلول سريعة وتوعية الشباب الملتزم من خلال وضع معاهد تشرف عليها هيئة علماء المسلمين وشؤون الأوقاف غايتها إنشاء قاعدة توعوية نحو مقاصد الدين وآداب الخلاف وتعزيز المواطنة والحياة الإنسانية كأساس للتعايش المشترك بين الطوائف والأديان واحترام الحرية الفكرية.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.