كأن الحياة على هذا الكوكب توقفت من أجلك

في أيامنا هذه وبسبب ما يقع في العالم نتيجة الفايروس الجديد، أصبح الحجر الصحي خطوة تبنتهى معظم الدول لعلها تكبح جماح هذا الوباء وتتمكن من السيطرة عليه في أقرب وقت ممكن، الشوارع والطرقات التي كانت لا تهدأ ليل نهار من ضجيج المحركات أصبحت شبه خاوية واختفى الناس والمارة ليحتل الصمت الأرجاء، أغلقت المحلات التجارية والمقاهي أبوابها وسرِّح العمال.. المدارس بدورها تقرر تأجيلها والاكتفاء بالدراسة عن بعد.. حتى دور العبادة منع المصلون من دخولها ، تحولت المدن التي لا تنام إلى مدن شبه مهجورة خالية من أي مظاهر للحياة.. كأن الزمن توقف عن الدوران إلى أجل غير مسمى.

لقد انعزل الناس على أنفسهم وانقلب حالنا بين ليلة وضحاها إلى “سجناء” -مع ما تحمله الكلمة في طياتها- بين أربعة جذران ننتظر فرجا قريبا يرفع عنا هذا الوباء ويرد لنا حياتنا الطبيعية، ولكن ماذا لو كان هذا السجن الاضطراري هو الوحيد الكفيل بإنقاذنا؟ ليس من فتك الوباء فقط، بل من أنفسنا، من أفكارنا السلبية المعيقة، من عاداتنا السيئة، من أسلوب عيشنا الاستهلاكي، من كل ما يمنعنا من أن نكون أفضل نسخة لأنفسنا، الحجر الصحي تجربة جديدة فُرضت علينا لم يسبق لنا أن عشناها. هي بمثابة فرصة للخروج من منطقة الراحة واستكشاف ذواتنا وتبني نمط حياة مختلف.

واجه مخاوفك فالخوف ليس سوى صديق أبدي يدفعنا لرفع التحديات وإظهار أفضل ما فينا وكأنه يهمس “أنت تستطيع!”
كأن الحياة على كوكبنا توقفت من أجلك! نعم.. هذه ليست سوى محطة استراحة من أجل أن تعيد ترميم نفسك التي أتعبتها الحياة وتحدد أولوياتك، ف”حياتنا مجموع اختياراتنا”.. من أجل أن تختار من تكون بعيدا عما يريده منك الآخرون، كن ربان سفينتك واتجه بها أينما شئت وأينما تستحق أن تكون، “أنت غير مطالب لتكون أفضل من أي شخص أخر، أنت مطالب بأن تكون أفضل مما اعتدت أن تكون عليه”، من أجل أن تصحح طريقة تفكيرك وتستفيد من تجاربك السابقة، فكل ما نحن عليه الآن هو نتيجة أفكارنا، ف”هي المحرك الرئيس لما نقوم به طوال اليوم”، وتصرفاتنا ما هي سوى نتيجة ما يدور في أدمغتنا، “راقب افكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول الى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك”..

حسن علاقتك مع ربك وقوِّ ارتباطك به، فلعلنا فرطنا في هذا الجانب كثيرا وشغلتنا الماديات، وتذكر أن السبب الرئيسي الذي خُلقنا من أجله هو “العبادة” وهي لا تقتصر فقط على أركان ديننا من صلاة وصيام وزكاة، ولكن المعاملة الحسنة عبادة، واستغلال فراغك في ما يفيد عبادة، وكل ما يحبه الله ويرضاه من قول أو فعل فهو عبادة..

علاقاتك الاجتماعية عليك إعادة النظر فيها، ركز على قيمة الأفراد المحيطين بك في حياتك وليس على عددهم واختر من تصاحب، “أرني أصدقائك وسأريك مستقبلك”، وكما يقول سيد الخلق “عليه الصلاة والسلام”: “مثل الجليس الصالح مثل العطّار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يحرق ثوبك أصابك من ريحه”..

خططك المستقبلية إجعلها حبرا على ورق، وابدأ بالتنفيذ فورا ودع عنك المماطلة فالوقت يمضي، “إذهب لحلمك الآن، فالمستقبل غير مضمون لأحد”. لا داعي للعجلة، كل ما عليك هو أن تبدأ! وإن واجهتك صعوبات تذكر قول ديكارت: “قم بتقسيم كل صعوبة إلى أكبر قدر من الأجزاء لحلها”، تلك الهواية التي لطالما فكرت في ممارستها، ماذا تنتظر؟ الآن حان وقت أولى الخطوات. التجارب الجديدة هي متعة الحياة، أمور كثيرا ما أجلتها جاء الوقت لنفض التراب عنها والقيام بها، فلعل هذه المرحلة هي فرصتنا الأخيرة لوضع بصمة على الحياة وترك أثر يدل على مرورنا.

واجه مخاوفك فالخوف ليس سوى صديق أبدي يدفعنا لرفع التحديات وإظهار أفضل ما فينا وكأنه يهمس “أنت تستطيع!”، وأنت في سجنك فكر في عصفورٍ في قفصٍ لا يكلُّ من الإنشاد وهو مستبشر أن القادم لا محالة سيكون ذا طعم مختلف، استمتع بلحظاتك وكما تشجعتُ وكتبت لك أولى مقالاتي على هذه المنصة من “سجني”، حان وقتك لترينا إبداعاتك.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".