كوروناضعف الطالب والمطلوب!

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

ضعف الطالب العابد لغير المعبود الحق، المتبع لغير منهج الحق، المتعلق بأستار الوهم، الراكض خلف سراب المصالح الفارغة التي سرعان ما ينجلي فراغها وفقاعها..
وسمي طالبا لأنه راغب في ما يصلح حاله ومآله، وفيما يؤمنه ويطمئنه ويحصنه من كل مكروه وبلاء ووباء، فهو خائف ملتفت يمنة ويسرة، يجمع ويكنز ظانا أن ماله وما عنده سيخلده، ويبعده عن كل ما يكره، فقد غاص وغاب وانغمس في متلاطمات الأسباب، فاطمان لها حتى ظنها أنها الملجأ والملاذ والحصن الحصين فخاب!…يستقوي بها ويستعظم بها ويحتمي بها ويلوذ بها، ولا يخطر على باله لحظة أنها قد تميل به حين يرجو ثباتها، أو تجمد حين يطلب حركتها، أو تصمت حين يأمل كلامها، فهو في حالة ضعف وإن تظاهر مستقويا، في حالة هزال وإن ظهر ممتلأ، وفي حالة خواء وإن بدا عامرا..
وعبر عن الضعف بوزن (فعُل) الدالة على الجبلية والعمق المصاحبين للتجدد باعتبار الفعلية، فهو طالب ضعيف في ذاته كمخلوق يرجو صلاحا ومصلحة، وفي طلبه هذا الذي وجهه إلى العنوان الخاطئ وإلى غير المحل، فمهما يستجمع من رصيد الأسباب فهو ضعيف، لأنه لم يؤسس تلك الأسباب على الأساس القوي المطلوب، ولم يوجهها الوجهة الصحيحة المطلوبة، وبالتالي فهو صرح أسباب بني على شفا جرف هار، يزعزع ويزلزل أساسه الضعيف أدنى فيروس أو وباء أو بلاء أو مخلوق..

نحن هنا نتحدث عمن عد تلك الأسباب، وبناها وأسسها، أما من لم يبن ولم يؤسس ولم يتحرك أصلا، فهو خارج عن لائحة هذا الضعف أصلا، فهو ليس بطالب حتى يوصف بأنه ضعيف..هو في دائرة التبعية والإمعية، حتى يتخلص من ذلك الجمود والركود، ويململ ذرات الإيمان وبقايا الفطرة في كيانه وجمعه، لينطلق في مسلك العبودية الكونية والشرعية..
عندها يمكن أن يصبح طالبا صحيح الطلب والوجهة..

تلك العظمة وتلك القوة وذلك الجبروت التي استجمعها ذلك الطالب، الذي كاد أن يتأله، ويسيطر ويعطي ويمنع، في أوج قوته، يعجز عن خلق أضعف مخلوق فيضاعف عجزه وضعفه، إن سلب منه ذلك المخلوق شيئا مهما هانت قيمته أو ارتفعت، لا يستطيع استنقاذه منه، والحصول عليه، والوصول إليه، وقد سيطر وتحكم فيما هو أعظم وأقوى وأجلد وأصلب، من ذلك المخلوق، يحاول يمنة ويسرة ويبذل في أسباب البحث والتنقيب لعله يصل إلى شيء، فلا يستطيع، وقد ينجح في هذه المرة، ولكنه قد يبتلى بمخلوق آخر وآخر وآخر، يذكره بعجزه وضعفه، وبهشاشة أساساته التي بنى عليها أسبابه..

ضعف المطلوب..
ضعف المطلوب الذي توجهت له العبادة والعبودية، وهو عاجز عن أن يلبي جزيئا من مقتضياتها، بل هو في كثير من الأحيان غير مؤهل لأن يلبي حاجاته الخاصة، فهو أصم ابكم جامد مصنوع غير فاقه لكل ما يوجه له من طلب، وقد يكون واهما متألها، أعجبته قوته وأغراه تجبره، وسيطرته، وأوهمته أسبابه التي استجمعها، فوضع نفسه في مقام المطلوب الذي لا مطلوب سواه، ولا قبلة غيره، يأمر وينهى ويمنح ويمنع، ويقسم العالم كيف شاء، ويرسخ معالم ألوهيته من خلال إعلامه وغزوه وإغرائه وتجهيل واستضعاف غيره، حتى يظل ويبقى الإله الاوحد الذي يرهب ويرغب، ولا تُرى الحياة والتطور والمصلحة إلا من قناته وتحت سيادته وفي طاعته..
ولكنه في الحقيقة ضعيف ضعفا متجدرا عميقا متأصلا، لا يمكن معه أن تنسب له ألوهية ولو مجازا، ويستحيل على عقل يقظ مدرك أن يوجه له أي لون من الوان العبودية، ففاقد الاهلية بالقوة والفعل لا يعطي من ثمارها شيئا وإن اكتسب اوهام أسبابها، وفقاعات مظاهرها، مهما تعلم وتقدم وتطور واجتهد في الوصول إلى درجة من درجاتها، لأنه ضعيف عن قيومية نفسه وقيومية غيره وصلاح نفسه وصلاح غيره حالا ومآلا، وكلما ترك في غيه هذا قاد ذلك العالم إلى ما لا تحمد عقباه ونهايته..

وضعفه كضعف تلك الذبابة وما دونها من المخلوقات الضعيفة من خلايا وفيروسات ومخلوقات دقيقة، والتي لا تأخذ عملية إنهاء حياتها، إلا مجرد ضربة بيد أو خفقة بمضرب أو رشة بمبيد، فهو عاجز عن أن يحمي نفسه، وعاجز عن أن يقوم بنفسه وعاجز عن أن يعطي غيره، فعجز في عجز في عجز أضعف من عجز الطالب نفسه، فالطالب ما استنقذه الذباب عاجز ولكنه في التقييم الذاتي من حيث القدرات والإمكانات والأسباب أقوى وأجدر من المطلوب، الذي هو ذبابة هينة ضعيفة، فكيف بذلك الطالب أن يطلب ويلجأ إلى ذلك المطلوب الذي هو أوهن وأهون منه…

والضعف شامل لذلك الشيء المطلوب، فهو مطلوب محَقَّر ما عسى تلك الجهة الضعيفة الموجه لها الطلب أن تعطي أو أن تلبي..!!

فالطالب متمثل في المتبع الضعيف في إدراكه واعتقاده وتصوره، ومتمثل في ذلك المتأله السليب الذي لا يستطيع استنقاذ ما سلب منه من أضعف المخلوقات..

والمطلوب متمثل في ذلك الإله الوهمي المؤلَّه أو ذلك المتألِّه الضعيف في نفسه والعاجز عن تلبية أي مطلوب، ومتمثل في ذلك المخلوق الضعيف ذاتيا والخفي قدا وحجما، ومتمثل في ذلك الشيء المطلوب الحقير الذي حقارته وهوانه ظاهر من الجهة الموجه لها الطلب، وهو لا يستأهل ذلك الطلب..
فضعف الطالب والمطلوب، ما قدروا المطلوب الحقيقي القوي القيوم المدبر المتصرف القوي على كل طلب، العزيز عن أن يهين طالبا ويرده خائبا، الإله الحق حق قدره.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.